يحجزون عنهم العذاب ، أو يقاومون بهم سلطان الله ومشيئته ، كما يزعم المشركون بعبادتهم الأصنام بشرا أو حجرا أو غيرهما.
(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)
والديار ـ كما يبدو ـ هو من يسكن الدور والديار ، وإنها حقّا دعوة بعذاب الاستئصال الذي حقت به كلمة الله عليهم ، فما بقي يومئذ أحد إلّا من آمن بنوح وركب السفينة ، ومن هنا نهتدي الى أن عذاب الاستئصال يأتي بهدف تطهير الأرض من العناصر الفاسدة التي لا تنفع معها النصيحة ، وان مبرر وجود الإنسان هو ما يشتمل عليه من الحق في كيانه فإذا صار خلوّا من أيّ حق فقد مبرر الوجود تشريعيا وتكوينيا مما يؤدي به الى الهلاك ، وهذه الحقيقة تنطبق بصورة أجلى على الإنسان (المجتمع) منها على الإنسان (الفرد) ومن هنا نفهم الآية الكريمة : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) (١) وكذلك الروايات التي تقول : «ان الله ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء» (٢) لأنه لو لا وجود المؤمنين من الناس لما بقي مبرر لوجود الآخرين.
[٢٧] ثم يبين شيخ المرسلين الخلفيات والحيثيات وراء دعوته على قومه ، فهو لم يدع عليهم لأنه مل وتعب من الجهاد في سبيل الله ، ولا لأنه يحمل العداء الشخصي ضدهم لما لقيه من الأذى والمعاناة على أيديهم ، إنما كان منطلقه في ذلك رساليا خالصا لوجه ربه.
(إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ)
الموجودين ، فيزيدون الضالين ضلالة ، ويؤثرون على من آمن ليعود كافرا
__________________
(١) البقرة ٢٥١
(٢) موسوعة بحار الأنوار ج ٦٧ ص ١٤٣ عن أبي جعفر (ع)