مشركا مثلهم ، وفي هذه الآية يجب ان نقرأ مدى الضغط الذي يواجهه المؤمنون حينما يستقلون برأيهم ومسيرتهم عن مجتمع الضلال والفساد .. إنه يبلغ حدّا يخشى عليهم من الانحراف بسببه ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر أنّه لا يرتجى خيرا ولا مستقبلا سليما للأجيال التي تنسل منهم ، باعتبارهم قد أحكموا أساليبهم التربوية السيئة التي من شأنها بناء شخصية الأولاد على أساس الباطل والعداء للقيادة الرسالية ولخط المؤمنين.
(وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً)
بالوراثة وبالتربية ، والفاجر هو من لا يقف عند حدّ شرع أو عرف ، ولا يقيم وزنا لقيمة لا في نفسه ولا في المجتمع ، إنما يطلق لشهواته العنان ، بينما الكفّار صيغة مبالغة من الكفر وهو خلاف الإيمان ، والكفور خلاف الشكر.
ولقد انتهى نوح الى هذه النتيجة بتجربته المرة الطويلة التي عاصر فيها ثلاثة أجيال على الأقل وخبرهم بتمام المعرفة ، وكذلك بإخبار الله له ، قال الراوي : قلت لابي جعفر الباقر (ع) : ما كان علم نوح حين دعا على قومه انهم : «لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً»؟! قال : أما سمعت قول الله لنوح : «أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ» (١) وقد ذهب أغلب المفسرين الى القول : بان الله تعالى أخرج من أصلابهم كل من يكون مؤمنا ، وأعقم أرحام نسائهم ، وأيبس أصلاب رجالهم قبل العذاب بأربعين سنة (٢).
والآية تبين بأن الإنسان قد يرحمه الله ليس لذاته بل لآخرين يتعلقون به كالأولاد.
__________________
(١) تفسير القمي ج ٢ عند الآية
(٢) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٦٥