رفض لنظام ثقافيّ واجتماعيّ وسياسيّ ثقيل.
وفي كلمة «جدّ» اختلاف بين المفسرين ، ففي البرهان عن أبي جعفر (ع) قال : «إنّما هو شيء قاله الجنّ بجهالة فحكى الله عنهم» (١) ، وعلى هذه الرواية يكون المعنى هو المتعارف أي الجدّ أبو الأب والأم. وقال الرازي : الجدّ الغنى ، ومنه الحديث : «لا ينفع ذا الجد منك الجد» أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه ، وكذلك الحديث الآخر : «قمت على باب الجنة فإذا عامّة من يدخلها الفقراء ، وإذا أصحاب الجدّ محبوسون» يعني أصحاب الغنى والدنيا ، فيكون المعنى : وأنّه تعالى غني عن الاحتياج إلى الصاحبة ، والاستئناس بالولد (٢). ولا نجد في السياق ما يشير إلى أنّ الكلام جاء على سبيل الحكاية ، وإنّما يهدينا السياق إلى أنّه تقرير للحق الذي جرى على ألسن أولئك النفر من الجن. والذي يبدو لي أنّ الجدّ هنا بمعنى العظمة بحيث يمكن أن نجعل الغنى عن الصاحبة والولد في إطارها أيضا ، وقد أشار العلّامة الطبرسي في بيان لغويّ لطيف إلى هذا المعنى فقال : الجدّ أصله القطع ، ومنه : الجد العظمة لانقطاع كلّ عظمة عنها لعلوّها عليه ، ومنه : الجد أبو الأب لانقطاعه بعلوّ أبوّته وكل من فوقه لهذا الولد أجداد ، والجد الحظ لانقطاعه بعلوّ شأنه ، والجد خلاف الهزل لانقطاعه عن السخف ، ومنه : الجديد لأنه حديث عهد بالقطع في غالب الأمر (٣) ، فالمعنيّ من «تعالى جدّ ربنا» أي سمت عظمته وعلت. والفرق بين هذه الآية وقولنا : (ربنا تعالى) أنّها هنا صرحت بالمتعلّق وهو العظمة (الجدّ) ، بينما نطلق في قولنا بدون المتعلّق علوّ الله على كلّ شيء وعن كلّ ما يصفه المشركون. وقد خصّص القرآن في الآية ذكر العظمة بالذات لأنّ مشركي الجن يعملون من خلال نسبة الشركاء لله على الطعن في عظمته والتقليل من شأنه. وكيف لا تقلّ
__________________
(١) البرهان / ج ٤ ـ ص ٣٩١.
(٢) التفسير الكبير / ج ٣٠ ـ ص ١٥٠.
(٣) مجمع البيان / ج ١٠ ـ ص ٣٦٧.