والرهق : الغشاوة ، وقيل للتعب الشديد إرهاق لانّه يعلو المرهق كالغشاوة فلا يكاد يبصر بقلب ولا بعين. وإذا كان المعنيّون بالآية كلّ من غرّتهم خرافة الاستعاذة بالجن وتعظيمهم فإنّ الكهنة والسحرة ومن يتصل مباشرة بالجن مخصوصون بقول «رجال من الإنس» أو ليسوا يستعينون بهم في الشعوذة وسحر أعين الناس والكهانة؟!
ولأنّ الجن ليسوا ـ كما يتوهّم هؤلاء الرجال ـ يعلمون كلّ شيء ، ويقدرون على صنع المستحيل ، فإنّهم يزيدونهم رهقا في أبدانهم وأنفسهم ، وضلالا عن الحق باتباع أخبارهم الكاذبة ، وخوض اللجج اعتمادا على وعودهم التي يعجزون عن الوفاء بها. أمّا من جانب الجن فلعلّهم كانوا كرجال الإنس يتمادون في الغيّ والضلالة ، حيث يكبرون أنفسهم ، ويتوهّمون أنّهم أنصاف آلهة نتيجة تقديس رجال الإنس لهم واستعاذتهم بهم.
والكهنة والسحرة بدورهم كانوا يضللون من حولهم من الناس ، قال الإمام الباقر (ع): «كان الرجل ينطلق إلى الكاهن الذي يوحي إليه الشيطان فيقول : قل لشيطانك فلان قد عاذ بك» (١).
والعياذ الاعتصام وهو الامتناع بالشيء من لحاق الشر (٢) ، وللاستعاذة هنا أحد معنيين :
الأول : أنّهم كانوا يعتقدون بأنّ الجن قوى شر في الطبيعة ، وبالتالي يجب إرضاؤها للتخلّص من شرها وأذاها.
__________________
(١) البرهان / ج ٤ ـ ص ٣٩١.
(٢) التبيان / ج ١٠ ـ ص ١٤٨.