الثاني : أنّهم كانوا يعتمدون على الجن في مواجهة الأخطار والمشاكل ، أو في مقاومة القوى التي يخشونها ، ظنّا منهم بأنّهم ينفعونهم أو يضرونهم .. فبدل أن يفكّروا في حلّ مشاكلهم من خلال العقل والسعي تراهم يلجأون للخرافة والأساطير ، وبدل أن يتقرّبوا إلى الله عزّ وجلّ بالطاعة تراهم يعوذون بالجن ، ظنّا بأنّهم قادرون على صدّ غضب الله أو التأثير على أمره سبحانه وتعالى. وهكذا عوض أن يشحذوا إرادتهم ويعملوا فكرهم لمواجهة العدو عسكريّا يتوسّلون بهذه الثقافة الميتة والمضللة .. فلا يصلون إلّا إلى الشر والرهق.
ومن وجوه التلاقي بين الإنس والجن ـ بالإضافة إلى التعاون على الباطل ـ تشابه وجوه الانحراف والضلال في الأفكار والثقافات ، ومن بين ذلك الكفر بالآخرة كنتيجة للثقافة القائمة على الظنون والتصورات ، لا على الوعي بالواقع والمنهجية العلمية المعتمدة على الدليل والحجّة.
(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً)
في المجمع : أن لن يبعث الله رسولا بعد موسى وعيسى (١) ، وفي التفسير الكبير : ويحتمل أن يكون المراد أنّه لن يبعث أحدا للرسالة على ما هو مذهب البراهمة (٢) ، ومع إمكانية صحة هذا الرأي إلّا أنّ الأقرب بعث الناس للحساب والجزاء ، وهذا هو جذر كلّ انحراف وفرار من إطار المسؤولية. والآية تنسف الإعتقاد الواهي بأنّ الجن آلهة خلقوا ذاتيّا ولا يموتون ، كلّا .. إنّهم يموتون ـ كما يموت بنو آدم ـ ويبعثون كما يبعث البشر ، بلى. وبعضهم يشك في البعث ممّا يدعوه إلى الشرك والمزيد من الزيغ.
__________________
(١) مجمع البيان / ج ١٠ ـ ص ٣٦٩.
(٢) التفسير الكبير / ج ٣٠ ـ ص ١٥٧.