وقد جرى جدل بين المفسرين حول هذه الآية هل هي من جملة ما حكاه النفر من الجن ، أم هي قول الله؟ فقال بعضهم : أنّها قول من الله ، وقال آخرون ـ وهو الأقرب ـ : أنّها قول الجن ، قال الفخر الرازي : واعلم أنّ حمله على كلام الجن أولى لأنّ ما قبله وما بعده كلام الجن ، فإلقاء كلام أجنبيّ عن كلام الجن في البين غير لائق (١). ولعل التعبير اختلف من المتكلم «وإنّا» إلى الضمير الغائب «وأنّهم» لأنّ المتكلم نفر من المؤمنين ، وهم ليسوا من جملة الكافرين بالبعث ، ممّا دعاهم إلى نسب الأمر إلى غيرهم.
ثم يعود السياق إلى مجراه (ضمير المتكلم) باعتبار أنّ ما يأتي أمر عام وشامل حتى للنفر الذين آمنوا من الجن ، باعتبارهم كسائر الجن سعوا لاستراق السمع ، إلّا أنّهم حيث احتجبوا عن ذلك تحسسوا قدرة ربهم ، وآمنوا به تائبين.
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً)
والحرس هم الملائكة ، بينما الشهب أسلحتهم التي يرمون بها كلّ من يحاول استراق السمع ، فهي مشحونة جنودا وعتادا إلى حدّ الامتلاء ، بحيث لا يجد مسترق ثغرة ينفذ منها إلى الملأ الأعلى. وقال : «لمسنا» ولم يقل : (رأينا) لأنّ اللمس صفة مادية ممّا يؤكّد المعنى ويقرّبه. وحقّا : إنّهم لمسوا السماء وعرفوا تلك الحقيقة من خلال التجربة العملية .. إذ هلك الكثير منهم بالشهب وهم في مهمة الاستراق.
(وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ)
سابقا قبل أن يشاء الله منعهم تماما.
(فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً)
__________________
(١) المصدر.