ومن كلمة «مقاعد» نستفيد أنّهم كانوا يسترقون السمع من ثغرات معينة يقعدون فيها. ويشير أئمة الهدى إلى الحكمة التي أغلق الله أبواب الاستراق بسببها عن الشياطين والجن ، يقول الإمام الصادق (ع): «وأمّا أخبار السماء فإنّ الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك ، وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم ، وإنّما منعت من استراق السمع لئلّا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء ، ويبلس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله ، لإثبات الحجة ونفي الشبهة» (١).
إذن فالجن لا يعلمون الغيب حتى يعوذ بهم الناس. قال صاحب البصائر بتعبير لطيف عن صلة هذه الآية بما قبلها من الآيات : فالإنس كانوا يعوذون بالجن لأنّهم يعلمون الغيب أو خبر السماء فجاءت هذه الآية لتقول : أنّهم «لا يعلمون الغيب ، وأنّ السماء ممنوعة عنهم» (٢).
واختلف في حراسة السماء ، فمن قائل أنّها لم تكن قبل بعث النبي (ص) ومن قائل غير ذلك ، وظاهر الآية يشير إلى ما ذهب إليه العلّامة الطباطبائي إذ قال : إنّ الحادث هو المليء وكثرة الحرس لا أصل الحرس ، وظهور قوله : «نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ» في أنّا نجد فيها بعض المقاعد خاليا من الحرس والشهب ، والآن ملئت المقاعد كلّها ، (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) (٣). وفي الأحاديث : أنّهم كانوا يحجبون عن سماء بعد أخرى حتى ولد خاتم المرسلين فحجبوا تماما ، وعن الإمام علي ـ عليه السلام ـ قال : «ولقد همّ إبليس بالظعن في السماء لمّا رأى من الأعاجيب تلك الليلة ـ التي ولد فيها رسول الله ـ وكان له مقعد في السماء
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٣٦٩.
(٢) تفسير البصائر / ج ٤٩ ـ ص ٣٧٦.
(٣) الميزان / ج ٢٠ ـ ص ٤٣.