تعالى إلّا لمن استحقّه (١). ولقد قال الله : «رشدا» ولم يقل (خيرا) في مقابل الشر إشارة للرسالة التي تعطي الهدى ، ولأنّ الرشد سبب كلّ خير وسنامه ، بل هو المصداق الأعظم للخير.
[١١ ـ ١٢] وينسف ربّنا نظرة التقديس المطلق للجنّ ببيان اختلافهم ، وأنّ فيهم من لا يستحق الاحترام لتخلّفه عن الصلاح وتورّطه في الفساد العريض.
(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ)
أقلّ مرتبة. وكلمة «دون ذلك» تتسع لدرجات مختلفة يلي بعضها بعضا في التسافل حتى آخر درك من الانحراف والضلال ، ويعلوا بعضها فوق بعض حتى درجة الصلاح. ثم يضيفون :
(كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً)
أي مذاهب وجماعات مختلفة متفرقة ، من قدّ الثوب يقدّه إذا شقّه وقطعه ، ففرّقه خرقا بعد أن كان قطعة واحدة. ومن الآية نهتدي إلى أنّ الاختلاف في مدى الصلاح بين الجن أفرادا وجماعات راجع إلى اختلاف مذاهبهم ، وأنّهم كالبشر مختلفون في توجّهاتهم ونظراتهم إلى الحياة. ولعل تأكيد القرآن على التشابه بين الخلقين (الإنس والجن) يأتي لبيان أنّهم خلق من خلقه تعالى يتعرّضون لما يتعرض له الناس ، وليسوا آلهة كما يزعم البعض فيعبدهم ويشرك بهم من دون الله.
وما دام الجن صالحين ودون ذلك فإنّ الاتصال بهم قد يعود إلى الإنس بالخير لو كان طرفه الصالحين ، وقد يعود عليهم بالشر العظيم إذا كان طرفه الضالين الفاسدين
__________________
(١) الميزان / ج ٢٠ ـ ص ٤٤.