منهم ، وهذا ما يجعل الاعتماد على قول الكهنة وأخبارهم محلّ إشكال وشك ، باعتبار مصادره تحتمل الصواب والخطأ والصدق والكذب.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : على مذاهب مختلفة ، مسلم وكافر ، وصالح ودون الصالح. وقال شيخ الطائفة : والطرائق جمع طريقة ، وهي الجهة المستمرة مرتبة بعد مرتبة ، والمعنى : إنّا كنّا على طرائق متباينة ، كل فرقة يتباين صاحبها كما بين المقدود بعضه من بعض (١). وخلاصة القول : أنّهم مختلفون في مذاهبهم وتوجهاتهم ، وفي كلّ فرقة يختلف الأفراد عن بعضهم صلاحا وانحرافا.
وإلى جانب بيان القرآن تصوّر الجن عن علم الغيب ، ممّا ينفي المزاعم بأنّهم آلهة أو انصاف آلهة ، يبيّن ضعفهم وعجزهم باعتبارهم مخلوقين عن مقاومة إرادة الله ، بل عجزهم حتى عن الهرب من سلطانه وحكومته ، الأمر الذي يهدم ثقافة الشرك بهم من أساسها.
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ)
بصورة مباشرة من خلال مواجهة إرادته ، أو بصورة غير مباشرة من خلال القفز على سننه أو خرقها ، ولو كانت هذه القدرة موجودة عند الجن لأظهرها شياطينهم ، ولخرّبوا كثيرا من قوانين الطبيعة ونظمها ، ولكنّهم عاجزون عن ذلك .. ممّا يهدينا إلى أنّهم محكومون مثلنا بإرادة الله وسننه ، فخطأ إذن أن يعتمد بعض الإنس عليهم ويعوذ بهم زعما بأنّه يحتمي بهم عن مشيئة الله ، على أساس أنّهم قوى قاهرة وضاغطة تعالى الله عمّا يصفون ، فإنّ وجودهم كسائر المخلوقين مرتكز في الضعف والعجز ، فهم لا يستطيعون أن يدفعوا عن أحد إرادة الله ، ولا يجدون أنفسهم سبيلا للهرب منه.
__________________
(١) التبيان / ج ١٠ ـ ص ١٥١.