والتضليل ، لأنّهم كانوا في بيئة جاهلية كجاهلية البشر قبيل بزوغ فجر الرسالة.
ويشير النفر إلى الخلفية التي دعتهم الى اختيار الهدى بالإيمان بالله ، ألا وهي كون الإيمان سبيل السعادة.
(فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً)
وعلى عكس ذلك الشرك بالقوى المخلوقة كالجن والأوثان التي لا تزيد المشرك بها سوى الخسارة بعد الخسارة ، لأنّها محدودة وعاجزة عن تحقيق الضر والنفع لنفسها فكيف للآخرين؟!
إنّ البعض كالفرقة اليزيدية قدّسوا الشيطان ، وفلسفوا موقفهم على أساس أنّه رمز قوى الشر الذي ينبغي اتقاؤه بعبادته وكسب رضاه ، بينما تركوا عبادة الله لأنّه كما يزعمون ربّ الرحمة الذي لا خوف من جانبه .. وراحوا يعظّمون الطاووس لأنّه في معتقدهم مسكون بالشيطان! والحال أنّ الإيمان بغير الله لا يؤمّن للإنسان الاطمئنان ، بل يضاعف خسارته وتعبه. بلى. إنّ الإيمان بالله وحده الذي يملأ القلب بالاطمئنان إلى حسن الجزاء ونعم العاقبة ، فلا بخس ولا رهق.
قال صاحب المجمع : البخس النقصان ، والرهق العدوان (١) ، ورافقه التفسير الكبير إلّا أنّه أضاف : والرهق الظلم ، ثم فيه وجهان : الأول : لا يخاف جزاء بخس ولا رهق ، لأنّه لم يبخس أحدا حقّا ولا ظلم أحدا فيخاف جزاءهما ، والثاني : لا يخاف أن يبخس ، بل يقطع بأنّه يجزي الجزاء الأوفى ، ولا يخاف أن ترهقه ذلّة ، من قوله «تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ» (٢) ، وأصل البخس القلة ، قال تعالى (وَشَرَوْهُ
__________________
(١) مجمع البيان / ج ١٠ ـ ص ٣٧١.
(٢) التفسير الكبير / ج ٣٠ ـ ص ١٥٩.