بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) (١) ، وإنّما قيل كذلك لأنّ ما دفعوه ثمنا ليوسف أقل من ثمنه حتى في السوق لو كان عبدا يباع. وسمي البخس بخسا لأنّه في حقيقته الأخذ من مال الناس بما هو تقليل لحقوقهم الواقعية (٢). وما تنفيه هذه السورة (البخس والرهق) بالنسبة للمؤمنين بالله على عكس ما أثبتته الآية السادسة في شأن المستعيذين بالجن من الإنس.
[١٤ ـ ١٥] ويعود النفر المؤمنون من الجن للتأكيد بما يشبه الآية الحادية عشر على أنّهم مختلفون.
(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ)
والمسلم هو الذي يسلم نفسه بكلّ كيانها للحق ، فيكيّفها معه معنويّا وعمليّا ، وأمّا القاسط فهو الظالم الذي يضمّ قسط الآخرين إلى نفسه بغير حق ، على خلاف المقسط الذي يعطي حق الآخرين ، وإنّما قابل القرآن كلمة المسلم بالقاسط مع أنّها تقابل الكافر عادة لأنّ من أظهر معاني الإسلام هو العدل ، ولأنّ التسليم للحق هو العامل الرئيسي في تجسيد قيمة العدالة في الواقع ، ولأنّ المطلوب من الإسلام ليس مجرد التسليم اللفظي بل كبح جماح النفس الأمّارة بالسوء.
(فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً)
قال الراغب : حرى الشيء يحري ، أي قصد حراه ، أي جانبه وتحرّاه (٣) ، وفي تفسير البصائر تحرّى تحرّيا : طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن ، وطلب أحرى الأمرين وأولاهما ، وتحرّى الأمر توخّاه وقصده ، والتحرّي هو الاجتهاد في
__________________
(١) يوسف / ٢٠.
(٢) لقد مرّ بيان لمعنى الإرهاق عند الآية (٤٣) من سورة القلم فراجع.
(٣) مفردات الراغب مادة حري.