والكيفية.
ثانيا : يبدو أنّ الماء رمز للحضارة حيث الماء عصبها ، فأيّ تقدّم حضاريّ لا غنى له عن الماء.
ثالثا : كما أن اجلى مصاديق الماء ليس ما نشر به ونسقي به الزرع ، إنّما هو العلم الحق الذي تحيا بالاستجابة له النفوس والعقول ، وتنعش به الحياة. قال الإمام الصادق (ع): «يعني لأمددناهم علما كي يتعلّمونه من الأئمة (ع)» (١) وعن بريد العجلي قال سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عزّ وجلّ : «وألّو استقاموا على الطريقة»؟ قال : «يعني الولاية» ، «لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً»؟ قال : «لأذقناهم علما كثيرا يتعلّمونه من الأئمة (ع)» (٢) وعن الباقر (ع) قال : «لأشربنا قلوبهم الإيمان ، والطريقة هي الإيمان بولاية علي والأوصياء» (٣) .. ولا غرابة في تأويل الآية على هذا النحو ، لأنّ الاستقامة على الطريقة في النفس بالإيمان ، وفي الفكر باتباع آيات الله ورسالته ، وفي المجتمع بالانتماء إلى حزبه واتباع أوليائه.
ومن كلمة «أسقيناهم» يتبيّن أنّهم ظمأى ، وعطشهم إلى الإيمان والمعرفة أشدّ من عطشهم إلى الماء ، والاستقامة ٤٨٢ على الطريقة الآنف ذكرها يؤمّن للبشرية كلّ ذلك ، حيث الإيمان بالله وحيث بصائر الوحي التي تروي القلوب والعقول ، وتبني حضارة السعادة ، ومستقبل الفلاح.
ولأن هدف الحياة الدنيا هو الابتلاء لاستظهار معدن المكلّفين وكوامنهم فإنّ المسألة لا تنتهي عند حدود الاستقامة على الطريقة من قبل المخلوقين وإسقاء الماء
__________________
(١) البصائر / ج ٤٩ ـ ص ٤٢٨.
(٢) المصدر.
(٣) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٤٣٨.