الغدق من قبل الله ، بل لا بد من الفتنة ، كقضية أساسية يفرضها هدف الخلق ، وكون الدنيا ليست الدار الأخيرة.
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ)
بهدف معرفة طبيعتهم ، ومواقفهم العملية من نعم الله عزّ وجلّ ، بالذات وأنّ المسيرة الحضارية للأمم تبدأ بجيل ملتزم مستقيم يشيّد صرح الحضارة ثم ينحرف ببطر النعمة ، أو يرثه من بعده خلف يضيّع القيم ويتبع الأهواء. فأمّا الأمة التي تفلح في الاستقامة على الطريقة قبل الرغد وبعده فإنّها تصبح محلّ عناية الله ، والمزيد من فضله بالزيادة جزاء للشكر ، وعلى عكسها الأمة التي يأخذها الغرور بمنجزاتها ، وتنخدع بزينة الحياة الدنيا ، وفضل الله عليها ، فإنّها تدخل نفق الانحطاط والعذاب.
(وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً)
قيل : هو العذاب الذي يزداد ويتصاعد بمرور الزمن ، وإنّ الأمة التي تضل عن مسيرة الحق لترى الأهوال وألوان العذاب المتكاثرة في أنواعها ، والمتزايدة في كيفيتها ، وقيل : هو العذاب الأليم الذي يصعد إلى المخ ، وقيل : صعود جبل في جهنم يجبر المجرمون على صعوده محمّلين بالأثقال ، فكلّما بلغوا قمّته أعيدوا للأمر كرّة وأخرى دون استراحة .. وفي الأثناء تضربهم ملائكة العذاب بمقامع الحديد النارية.
ومن الناحية الواقعية لو أردنا أن نتصوّر مسيرة أمّة خالفت الطريقة السليمة واتبعت السبل المنحرفة فسنجدها كمن يصعد الجبال الوعرة يخالف سنّة الله في الجاذبية ، فيلقى في طريقه العقبات التي لا تطاق. قال ابن عباس : إنّ صعدا جبل في جهنم ، وهو صخرة ملساء فيكلّف الكافر صعودها ، ثم يجذب من أمامه بسلاسل