وتعالى : «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها «فلا تدعوا مع الله أحدا وما كان لله لم يقطع» قال : فأعجب المعتصم ذلك ، وأمر بقطع السارق من مفصل الأصابع دون الكف. قال ابن أبي داود : قامت قيامتي ، وتمنيت أنّي لم أك حيّا (١).
ونستفيد من الآية بصيرة عملية وهي حرمة جعل المساجد محلّا لدعوة غير الله ، واستخدامها بغير غرض العبادة له عزّ وجلّ ، كالدعوات الانتخابية والتوجهات الحزبية وما أشبه.
ومن الفوارق الأساسية بين دعوة أولياء الله (رسله وأنبياؤه ومن يسير على نهجهم) وبين الدعوات البشرية كالكهانة والسحر والفلسفات المنحرفة أنّهم لا يبحثون عن التيار الاجتماعي ليسبحوا معه ، إنّما يهمّهم العمل بالحق مهما كان ذلك مخالفا لتوجّهات المجتمع ، بينما نجد الكهنة والسحرة ومن أشبه يسيرون في ركاب السلاطين ، وأصحاب النفوذ في المجتمع ، ويخشون من الاصطدام مع الواقع.
فالرساليون لا يعرفون المداهنة والمساومة ، بل يثورون لتغيير الواقع الفاسد ، ويصطدمون مع كلّ قيمة منحرفة بغضّ النظر عن العواقب ما دام الأمر يرضي الله ، فإذا بواحدهم كإبراهيم ـ بل هكذا كل واحد منهم ـ يقف أمّة لوحده في قبالة مجتمع بكامله وقد تظاهر عليه وتلبّد كما تتلبّد الغيوم بعضها مع البعض الآخر.
(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ)
أي يدعو ربه نابذا كلّ الأفكار والقيم الشركية الضالة.
__________________
(١) العياشي / ج ١ ص ٣١٩.