الرسول (ص). والآية تحريض على التوجّه لله وحده لأنّه الذي يملك الضر والرشد ، كما أنّ فيها تحريضا على الاعتماد على مواهب الله للنفس البشرية والسعي الذاتي كمنهجية سليمة وكجزء من الطريقة. وتلاحظ في السورة تكرّر كلمة الرشد أربع مرات في الآيات (٢ ، ١٠ ، ١٤ ، ٢١) واستخدامها محل النفع الذي يقابل الشر والضر ، ولعلّ السبب يكمن في معالجة السياق لمشكلة الضلال والانحراف التي تسبّبها المزاعم والفلسفات البشرية الباطلة حول الجن وغيرهم ، فأراد تعالى التأكيد على دور الوحي في الهداية والرشد ، بل التأكيد على الرشد بذاته في مقابل علاج مشكلة الضلال.
والرسول ليس لا يملك للآخرين ضرا ولا رشدا ، بل لا يملك حتى لنفسه شيئا من ذلك ، إنّما الله وحده منه النفع والضر والإجارة ، فخطأ إذن أن يعوذ أحد بغيره جنّا أو إنسا أو سواهما.
(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً)
وهذه العقيدة من أهمّ دواعي التسليم له عزّ وجلّ وتوحيده ، وبها يقاوم المؤمنون عوامل الهزيمة والخوف حيث التوكل على ربّ العزة والاستجارة به من سواه ، لا كما يفعل السفهاء فيستعيذون بالأنداد والشركاء من تقدير الله وأمره وعذابه!
والملتحد الملجأ الصغير بقدر اللحد ، وإنّ من يجيره الله فلا خوف عليه ، وإنّ من يريده عزّ وجلّ بسوء فلن يجد ملجأ ولا بمقدار اللحد يفرّ إليه منه وقد وسعت قدرته كلّ شيء.
[٢٣ ـ ٢٨] ويبيّن النبي (ص) كنه دوره ومهمته في الحياة ، فهو لم يأت ليعطي الناس صكوك الأمان ، ولا ليكون شريكا لله في ملكوته ، إنّما جاء عبدا لله