ورسولا من الله يبلّغ رسالته إلى الناس.
(إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ)
و «إلّا» تفيد هنا الاستثناء الحصري ، وقال : (وَرِسالاتِهِ) بالجمع وليس رسالته بالافراد لبيان أنّه امتداد برسالته لكلّ رسالات الله السابقة ، وأنّ خطّ الأنبياء واحد يكمل بعضه (أفراد ورسالات) بعضا.
(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً)
ولا تكون معصية الرسول إلّا باتباع هوى النفس وسفهاء الأمم من القادة المنحرفين الذين يقولون على الله شططا. وإدخال القرآن لعنصر التخويف بالنار في الحديث عن معصية الله والرسول لأنّ ذلك ينمّي الحذر من الله في النفس ، ويضمن طاعة المؤمنين لله والرسول. والآية هذه توازن الموقف من الرسول القائد ، فصحيح أنّه لا يملك لأحد ضرا ولا رشدا ، إنّما يملك الناس أنفسهم ضر أنفسهم ورشدها ، ولكنّه حيث تجرّد لله يعتبر مقياسا ، ويتحوّل بشخصيته وموقعه إلى ميزان وقيمة في المجتمع ، بحيث يقرن الله رضاه وغضبه وطاعته ومعصيته برضى الرسول (ص) وغضبه وطاعته ومعصيته. وهكذا يصير كلّ قائد واحد ميزانا بمقدار ما يجسده من قيم الحقّ في حياته.
ولأنّ العصاة إنّما يتمرّدون على أوامر الله ورسوله اغترارا بما لديهم من القوة ، وبمن حولهم من الأنصار ، فإنّ الله يذكّرهم بأنّهما لا يغنيان عنهم شيئا في تحدّيهم لرسوله وللحق ، باعتبارهما الأقوى ناصرا والأكثر جندا .. الأقوى لأن الله ناصرهم ، والأكثر لأنّ الملائكة وقوى الطبيعة تقف إلى جانب الحق ، ومهما تأخر وعد الله بدحرهم والإنتصار لحزبه ورسالاته في الدنيا والآخرة فإنّه آت لا ريب فيه.