يمضيه ، فأمّا الذي يقدّره عزّ وجلّ ويقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله (ص) ثم إلينا» (١) ، وعن الإمام الصادق (ع) قال : «إنّ لله عزّ وجلّ علمين : علما عنده لم يطلع عليه أحدا من خلقه ، وعلما نبذه إلى ملائكته ورسله ، فما نبذه إلى ملائكته ورسله فقد انتهى إلينا» (٢).
وتهدينا الآية إلى أمرين :
الأول : إذا كان ثمّة سبيل للمخلوقين يطلعون بسببه على الغيب فإنّه ليس الجن ولا غيرهم لأنّهم لا يعلمونه ، إنّما ينبغي لهم الاستعاذة بالله وطلبه عند رسله وأوصيائه المرضيين عنده.
الثاني : خطأ ما زعمه البعض من أنّ أحدا لا يعلم الغيب البته ، فإنّه يعلمه من ارتضاه الله لغيبه وبقدر ما يعلّمه الله بصريح النص. قال الإمام علي (ع) وهو يتحدّث عن الناس : وألزمهم الحجة بأن خاطبهم خطابا يدلّ على انفراده وتوحيده ، وبأنّ لهم أولياء تجري أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله ، وعرّف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله : «عالِمُ الْغَيْبِ ..» قال السائل : من هؤلاء الحجج؟ قال : هم رسول الله (ص) ومن حلّ محله من أصفياء الله الذين قال : «فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» الذين قرنهم الله بنفسه وبرسوله ، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها (من الطاعة) لنفسه (٣).
ويبيّن الله الهدف من اطلاع رسله المرضيين على الغيب ، وسلك الرصد من بين أيديهم ومن خلفهم ، ألا وهو كونه ممّا يقتضي تبليغ الرسالة ويخدم مصلحتها.
__________________
(١) البرهان ج ٤ ـ ص ٣٩٥.
(٢) نور الثقلين / ج ٥ ـ ص ٤٤٢.
(٣) المصدر ص ٤٤٤ نقلا عن الإحتجاج.