المقياس الذي يحدد كيف وكم تكون النفقة؟ إنّه استطاعة الزوج المادية الممكنة ، وليست صفاته ، فلو كان غنيّا بخيلا فإنّه لا يجوز منه التقتير على زوجته المطلقة بالذات حيث تجب عليه نفقتها ، بل عليه التوسيع عليها ، كما لا يجوز للزوج ولا للحاكم أن يفرض عليه التوسيع في النفقة لو كان مقترا فقيرا.
(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ)
أي بعضها وبنسبتها ، فليس مطالبا ببذل كل ما يملك ، إنّما الواجب أن يفيض عليها من غناه بحيث يوسع عليها.
(وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)
وكان فقيرا.
(فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)
فتشريعه عزّ وجلّ تشريع واقعي عملي ، وحاشا له أن يكلّف أحدا ما لا يطيق ، وهذه الآية لا تقتصر على مسألة النفقة على الزوجة حين العدة ، بل هي قاعدة لتنظيم الإقتصاد الفردي ، وحل المشاكل المتصلة به في المجتمع والأسرة ، فلا غروّ أن يوسع الغني على نفسه من المال الحلال لأنّ الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يراها فيه ، قال الإمام أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ وقد سأله أحد أصحابه عن الرجل الموسر يتخذ الثياب الكثيرة الجياد والطيالسة والقمص الكثيرة يصون بعضها بعضا يتجمّل بها أيكون مسرفا؟ قال لا لأنّ الله عز وجلّ يقول : «الآية» (١) ، ومن جهة أخرى يجب أن لا ينفق الفقير أكثر من طاقته تلبية لرغابته الشخصية أو تظاهرا بين الناس أو لكي يوافق المجتمع المحيط في معيشته ومظاهره ، فإنّ ذلك يوقعه في
__________________
(١) المصدر ص ٣٦٣.