الإنسان.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ)
أي : وكم من قرية؟!! فكأيّن تفيد الكثرة.
ولعل التعبير بصيغة الكثرة الرهيبة يهدف مواجهة حالة الاسترخاء التي تصيب الإنسان بسبب تواتر نعم الله وتتابع آلائه الكثيرة ، حتى يزعم بأنّ الرب قد غفل عنه أو أهمله أو فوض إليه أمره فيدعوه ذلك إلى الإيغال في الذنوب ، كلّا .. إنّ قرى كثيرة قد دمّرت فحذار أن تدمّر أيضا قريتك الصغيرة المتمثلة في الأسرة والكبيرة المتمثلة في بلدك ، لأنها ليست فوق سنن الله بل هي كأيّ من القرى الأخرى.
والقرية ـ كما يبدو ـ تطلق في القرآن عادة على المجتمعات المتخلفة الفاسدة ، بينما تستخدم كلمة بلد أو المدينة للتعبير عن المجتمعات المتحضرة ، وعدم تحديد الآية لقرية بذاتها ينطوي على دعوة لدراسة شاملة لتأريخ البشرية ، ذلك لأنّ الإنسان مفطور على مراجعة التاريخ والإعتبار به ، ونظرته إليه تحدد نظرته إلى الحاضر وتطلعه نحو المستقبل. والرسالات الإلهية تسعى إلى تصحيح تقييمه للتاريخ ، لكي لا تكون نظراته خاطئة ولا حتى عابرة ، وذلك لأنّ الكثير حينما يمرّون على آثار الماضين يكتفون بالسياحة أو النياحة ، والأدب العربي ـ كما سائر آداب البشر ـ زاخر بروائع الشعر التي تستوقف الإنسان على الأطلال والبكاء حزنا عندها ، وقد اشتهر هذا الاستهلال في شعر العرب ، قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل .. حتى قيل أنّه مطلع لسبعين رائعة شعرية!
بينما القرآن الكريم يستوقف الإنسان أيضا عند القرى المدمّرة ولكن ليس لمجرّد السياحة أو النياحة بل للاتعاظ والإعتبار.