ولقد مرّ المسلمون في عهد الإمام علي ـ عليه السلام ـ على أطلال عاصمة كسرى فأنشد بعضهم :
جرت الرياح على ديارهم |
|
فكأنّهم كانوا على ميعاد |
فنهره الإمام وأمره بأن يقرأ : «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ».
وهكذا يوجّه القرآن هذه النظرة الكامنة في الإنسان ليقف على الأطلال ، ويتذكر الغابرين ، ويعتبر بمصيرهم ، ويهتدي بالسنن التي كشفتها حياتهم ومماتهم من أجل بناء حياة سعيدة آمنة.
وعادة ما ينقل القرآن تاريخ الشعوب وليس الأفراد ، وحتى إذا تحدث عن فرد كفرعون أو هامان أو قارون فغالبا ما يضع الحديث عنه في إطار اجتماعي باعتباره طاغية أو مرتزق أو مترف ، والسبب أنّ حركة التاريخ أجلى وأوضح حينما يوجه الإنسان نظره وفكره إلى مسيرة الأمم وتاريخها ، وتدمير المجتمعات والشعوب أدلّ على سنن الله وحاكميته من هلاك فرد لأنّه قد يكون موته بسبب طبيعي ، بل إن موته لا يثير الإنسان للتفكر والإعتبار كما يثيره هلاك الأمم والمجتمعات.
إنّ هلاك الأمم وبصورة متعاقبة لا يمكن أن يكون أمرا اعتياديّا ، وهذا ما يتضح عند دراسة تاريخ القرى التي دمّرت والحضارات التي بادت ، فإنّنا لا شك سنجد سببا لهذه العاقبة وهو الفساد الواقع الذي أفقدها مبرّر الحياة ، حيث تمرّدت على النظم الإلهية ، كما قال الله :
(عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ)
والعتو : هو المبالغة في العصيان والانحراف والتحدي ، أمّا الأمر فهو النهج