والسبيل المتمثل في الشرائع والحدود الإلهية ، كما قال تعالى بعد أن عدّد مجموعة من الأحكام والحدود في الآيات (١) : (ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) (١) ، ولكنّ الله سمّاها كلّها أمرا بصفة الإفراد ربما ليؤكّد لنا بأنّها لا تقبل التجزأة أبدا ، فمن يعص الله أو الرسول ولو في أمر واحد فإنّه يعتبر عاصيا لهما ، كما لا يسمّى مطيعا وملتزما إلّا من يسلّم لكلّ ما يصدر عنهما ويعمل به.
وقد أضاف إلى أمره «رسله» لأنّ الطاعة للقيادة الرسالية من أعظم وأجلى أوامر الله ، لأنّ أمر الله هو القيم التشريعية كالأحكام والنظم والقوانين الصادرة عن الله مباشرة والمذكورة في رسالته التي أنزلها للناس ، بينما أمر الرسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ هو الجانب العملي والسياسي من أمر الله المتجسد في النظام السياسي والديني الذي يقوده (ص) ومن يمثله بحق ، فلا يصح إذن أن يقول أحد : حسبي كتاب الله ، بل لا بدّ له من البحث عن القيادة الإلهية لكي ينتمي إلى خطها ويجنّد نفسه تحت لوائها فلا يعتو عن أمر من أوامرها أبدا ، فإنّ في ذلك الخسران وبئس العاقبة.
إنّ الهدف من الخلق والوجود هو عبادة الله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٢) ، فإذا لم يحرز المجتمع هذا الهدف لم يبق مبرّر لوجوده ، وإنّ قيمة الإنسان يستمدها من مدى تجسيده للحق وطاعته لربه ، فإذا تمحض في الشر والعصيان لم تبق له قيمة عند الله ، ولا عجب حينئذ أن ترى في التاريخ تلك القرى التي دمّرها الله لعتوّها عن أمره.
(فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً)
إذن فالعذاب الذي حل بتلك القرى ليس بالصدفة ، وإنّما هو نتيجة طبيعية
__________________
(١) الطلاق ٥.
(٢) الذاريات ٥٦.