لأعمالها السيئة التي تتكشف بالدراسة والمتابعة والتحليل لمسيرتها التي سبقت الهلاك ، فلكلّ فعل ردّ فعل ، ولكلّ معصية مردود سلبي على صاحبها ، فشرب الخمر يسبّب مجموعة من الأمراض ، والربا يؤدي إلى الفساد الاقتصادي ، والزنا يعدم الأسرة ، ولكنّك إذا جمعت بالحساب الدقيق انحرافات أمّة من الأمم تعتو عن أمر ربها فستجد رد فعلها الخسران والدمار لا غير ، وهذا ما حلّ بتلك القرى من العذاب المنكر الذي لا يتصوّره البشر.
وما دامت حركة التاريخ في الأمم والأفراد قائمة على الحسابات الدقيقة فحريّ بالإنسان أن يدرس كلّ خطوة يقوم بها في الحياة ، وكلّ قرار يتخذه صغيرا وكبيرا ، في ضوء معادلة الربح والخسارة والعاقبة المصيرية.
والحساب الشديد هو الحساب الدقيق ، ذلك لأنّ الله يحاسب الناس بلطفه فيتغاضى عن كثير من سيئاتهم ، ولكنّه إذا سخط على أحد بسبب انحراف مجمل سلوكه (أمّة أو فردا) حاسبه بعدله فيصير من الحساب اليسير إلى الآخر الشديد والعسير ، وحينئذ لا ينجو من العذاب ، وقد أشار الله إلى ذلك بقوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) (١) ، وكما أنّ الله يحاسب الإنسان الذي يكون مجمل مسيرته الصلاح والحسنات الكبيرة حسابا يسيرا فيكفّر عنه سيئاته ، فإنّه سبحانه يحاسب الذي يكون مجمل مسيرته الفساد والفواحش الكبيرة حسابا عسيرا لا تغفر فيه سيئة بل تتضاعف ، وهكذا فعل الله بالقرى التي دمّرها ، من هنا قال العلّامة الطبرسي رحمه الله : «الحساب الشديد الذي ليس فيه عفو» (٢).
وتعذيب الله لتلك القرى ينسف ظنون البعض بأنّه وهو الرحيم أجلّ من أن
__________________
(١) فاطر ٤٥.
(٢) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٠٩.