من هنا فإنّها أكبر عامل وأوثق ضمانة لاستجابته للحق والتزامه به.
وقد قالوا أنّ (أُولِي الْأَلْبابِ) بدل عن (الَّذِينَ آمَنُوا) ، واللب هو مخ الشيء وعمقه ، وذي اللب هو صاحب البصيرة التي تنفذ إلى أغوار الأمور ، وقد خاطب الله المؤمنين من هذه الزاوية لأنّ دراسة التاريخ وما صارت إليه تلك القرى والإعتبار منه يحتاج إلى الإيمان وإلى الألباب والبصائر التي هي محور الثواب والعقاب ، ففي محاسن البرقي مرفوعا إلى الأئمة ـ عليهم السلام ـ قال : «ما يعبأ من أهل هذا الدّين بمن لا عقل له» ، قال (الراوي) قلت : جعلت فداك أنا آتي قوما لا بأس بهم عندنا ممن يصف هذا الأمر ليست له تلك العقول؟ فقال : «ليس هؤلاء ممن خاطب الله في قوله : «يا ألي الألباب». إنّ الله خلق العقل فقال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت شيئا أحسن منك ولا أحب إليّ منك أبدا ، بك آخذ وبك أعطي» (١) إنّ تقوى الله تعني تجنّب الوقوع في سخطه وعذابه ، وهي لا تتحقق بالإيمان وحده ، بل لا بد من لبّ يعرف به الإنسان ما يسخط الرب وما يرضيه ، ذلك لأنّ الشروط الموضوعية للتقوى متوافرة ، فتلك هي عبر التاريخ أمامنا ، وهذا كتاب الله ورسوله يذكّرنا الله بهما.
(قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً)
يذكّر الإنسان بربه ، وبالحقائق الفطرية ، ويذكّره بطاقاته ، وقدراته الكامنة ، وأهدافه ، وتطلّعاته ، ويستنقذه من الغفلة ، فما هو ذلك الذكر؟
(رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ)
قال أكثر المفسرين أنّ الذكر هو الرسول ، والذي يبدو لي أن الذكر أعم. إنّه
__________________
(١) المحاسن ج ١ ص ١٩٤.