كلّيّا من الظلمات إلى النور ، لأنّ كلّ عمل قبيح ونيّة فاسدة وصفة ذميمة ظلام في القلب ، وكلّ عمل صالح ونيّة رشيدة وصفة حميدة نور ، وكلّما تزكّى القلب وتطهّر السلوك من السيئات كلّما زاد القلب نورا حتى يصبح العبد من المخلّصين ، كالذهب المصفّى لا يشوب نور إيمانه أي ظلام ، وهذا مقام أولياء الله المقرّبين.
وهكذا ليس آيات الله بديلا عن سعي الإنسان نفسه ، إنّما دورها هو رسم النهج السليم للكمال والرقي ، وعلى الإنسان الاجتهاد للعروج عبرها إلى الكمال.
(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً)
والرزق ما يعطى للإنسان شيئا فشيئا ممّا يوحي بأنّ نعيم المؤمنين في الآخرة لا ينحصر في ما يعطونهم أوّل مرّة ، إنّما هو في ازدياد وتكامل يوما بعد يوم.
[١٢] وحيث دعتنا أكثر آيات السورة إلى تقوى الله جاءت الخاتمة تعرّفنا بربنا سبحانه ، لأنّ التقوى بنت المعرفة ، فكيف إذن نزداد معرفة بربنا لكي نزداد تقوى؟
لننظر إلى الآفاق من حولنا ، إلى السماوات والأرض ، وإلى أسمائه المتجلّية في هذه الآفاق. إنها سبيلنا إلى معرفته تعالى ، فحيثما رميت ببصرك رأيت عجيب الصنع وعظمة الخلقة ، وأنّى جلت ببصرك وتعمّقت بفكرك فلن تجد إلّا إجابة واحدة تقودك إلى حقيقة التقوى وسنام المعرفة.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ)
قيل : السبع كالسبعين كلمة تدلّ على الكثرة ، وقيل : أنّ الظاهر هو المقصود ،