المرتكزة على الجبر والإكراه ، ومن ثمّ تجاهل دور الإنسان وحقّه في تعيين مصيره.
وتوازن الآيات بين الجبر والتفويض ، لأنّ بصيرة القرآن تهدي إلى أمر بين أمرين ، وذلك من خلال تذكيرنا بحقيقة مهمّة بقرار الإنسان واختياره في الحياة ، ألا وهي أنّ مشيئته لا تكون إلّا بالله. أوليس الله خلق الإنسان وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة ، فلو لا خلقه هل كان شيئا حتى يشاء؟ ثم إنّه منحه العقل والإرادة ، ووفّر له فرصة المشيئة ، ولو كان الإنسان كالحجر لا يملك عقلا أو إرادة فهل كان يشاء شيئا؟ وعند ما وفّرت له فرصة المشيئة وفي لحظة المشيئة لو لا نور التأييد الذي ينمّي إرادته لم يكن يمضي في مشيئته قدما في مقاومة جواذب الشهوة وركائز النقص والعجز والجهل التي هو فيها. أليس كذلك؟ وحينما تكون الهداية محور المشيئة أفيمكن للإنسان أن يبلغها من دون تذكرة ربه وتوفيقه؟
بلى. وهكذا قرار الإنسان مركّب من أمرين : أحدهما متصل به ، والآخر متصل بربه ، فحيث يختار الهداية ويسعى إليها سعيها يهديه الله ويبارك سعيه ، وهذا معنى قول الإمام الصادق (ع) : «لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين أمرين» (قال المفضّل) قلت : ما أمر بين أمرين؟ قال : «مثل رجل رأيته على معصية فنهيته فلم ينته ، فتركته ففعل تلك المعصية ، فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية» (١) ، وقال ـ عليه السلام ـ : «الله تبارك وتعالى أكرم من أن يكلّف الناس ما لا يطيقونه (يجبرهم) ، والله أعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد» (٢) (فيفوّض لهم الأمر).
وقال الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع) لمّا سأله المأمون : يا أبا الحسن! الخلق
__________________
(١) موسوعة بحار الأنوار ج ٥ ص ١٧.
(٢) توحيد المفضل ص ٣٦٠.