وكما أنّ تكذيب أحد بهذه الحقيقة لا يدفعها عنه ولا يغيّر من شأنها فإنّ التكذيب بالآخرة هو الآخرة لا يغيّر قدر ذرّة من أمرها ، لأنّها حقيقة واقعة وقائمة (الآيات ٢٦ ـ ٢٩).
ولأنّ مشكلة الإنسان ليس إنكار الموت ، ولا زعم القدرة على دفعه ، بل الشك فيما بعده أو الكفر به ، انعطف القرآن نحو إنقاذه من حيرة الشك في المستقبل والجهل به ، وكأنّه يحلّ لغزا رجع صداه في أكثر النفوس البشرية ، ببيان أنّ مسيرته في الحياة لا تنتهي بالموت ، وإنّما الموت جسر إلى عالم أبديّ أوسع ، هو عالم لقاء الله والحساب والجزاء بين يديه ، وذلك ممّا يعمّق الشعور بالمسؤولية في النفس (الآية ٣٠).
وغياب هذه الحقيقة من وعي الإنسان هو المسؤول عن عدم تصديقه به وصلاته له ، وهو يدفعه إلى التكذيب ، وركوب مطيّة الغرور. وانّ من يكون على هذه الصفات أولى له الموت من الحياة ، والعذاب من الرحمة (الآيات ٣١ ـ ٣٥).
ويرجعنا القرآن إلى الجذر الأصيل لكفر الإنسان بالبعث والجزاء : إنّه جهله بقدرة ربه سبحانه ، فليتفكّر في أصل خلقته حين كان «نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً» فخلقه الله وسوّاه ، متكاملا في ذاته ، ومتكاملا مع الجنس الآخر بأن خلق «مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى» فهذه آية واضحة للعقل على قدرة الله «عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى» ، لأنّ أصل الخلق أعجب وأدلّ على قدرته تعالى من الإعادة (الآيات ٣٦ ـ ٤٠).