وكلمة «قتل» لعنة عليه ، وتعبير عن منتهى الغضب ، وفي نفس الوقت فيها ايحاء بأن الكفر يقتل الإنسان ، يقتل مواهبه وفضائله وفرص سعادته ، وحتى ينتهي بقتله تماما! أليس القتل درجات ، والكفر بأية نعمة الهية يؤدي الى قتل فرصة من فرص الحياة عند الإنسان ، وبالتالي فهو يعتبر درجة من القتل ومستوى منه؟! أرأيت الذي يملك رصيدا عظيما في البنك ولكنه لا يؤمن بذلك ، وكلما قيل له عنه كذّب وأبى! أليس يعدم موهبة إلهية؟! كذلك الذي يملك رصيدا عظيما في القرآن يستطيع ان يتخّذه لنفسه سعادة وفلاحا ثم يكفر به.
والتعبير ب «ما أكفره» يوحي بمدى كفره ؛ انه كفر واسع المدى ، متعدد الأبعاد ، ومن هنا قال بعضهم : الكفر هنا جاء بمعناه اللغوي الذي يعني الستر ، ويشمل الكفر بالله أو بنعمه أو حتى الكفر بنعمة واحدة ، ولذلك فان كلمة «الإنسان» هنا تسع كل الناس لأنه ما من إنسان إلا ويكفر بقدر ما بنعمة الله.
[١٨ ـ ١٩] ثم يعدد السياق نعم الله على الإنسان والتي يقابلها بالكفر وأولها نعمة خلقه من النطفة ويقول :
(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)
هذه القطرة من الماء التي تخرج من الصلب وتلك القطرة التي تتدفق من الترائب ، تلتقيان فيخلق الله بهما الإنسان في ظلمات الأرحام ، حيث لا يعرف حتى أبواه ما ذا يجري هنالك ، فلا تزال عين الله ترعاه ، ويده تقلّبه من طور الى طور ، حتى يخرج إنسانا سويّا ، كيف قدر الله مواد جسمه من أنواع العناصر ، وبعض من هذه العناصر استقدمه الرب من نجوم تبعد عنا آلاف البلايين من الأميال ، ثم قدر حجم كل عنصر ومقداره في بنيته ، ويصوره بأحسن تصوير ، وقدر جوارحه بأنظمة معقّدة لا نزال لا نعرف الا جانبا منها هو الذي نجده في الغدد المنظمة لنمو الأعضاء ،