قاصدا لجديس وإعانة لطسم ، وكانت امرأة اسمها الزرقاء التي تقدم ذكرها تنظر الراكب مسيرة ثلاثة أميال. فلما كان حسان في أثناء الطريق وهو سائر بعساكره قال رجل من طسم لحسان : أيها الملك أدام الله سعدك إن امرأة من جديس اسمها الزرقاء تنظر الراكب من مسيرة ثلاثة أميال فربما تنظر عساكر الملك وتخبر قومها بذلك فيكيدوا لك كيدا عظيما. فقال حسان : وما الرأي عندك؟ فقال : الرأي أن تقطع الأشجار فيأخذ كل راكب أمامه شجرة ، فإذا رأت الزرقاء تقول لقومها : إن أشجارا تسير إليكم على الخيل والنجائب فيكذبونها ويهملون أمرها ، فتصبحهم وتبلغ الغرض.
فاقتلعوا الأشجار وحمل كل واحد أمامه شجرة وساقوا سوقا حثيثا فرأتهم الزرقاء فقالت لقومها : إني لأرى الشجر يسير إليكم سيرا سريعا ، وإني لأرى رجلا من وراء شجرة يخصف نعلا وآخر يشرب ماء وآخر ينهش كتفا. فكذبوها فصبحهم حسان بعساكره وجموعه فأبادهم قتلا وسبيا. وهرب الأسود فنزل على طيئ فأجاروه ، وجيء بزرقاء اليمامة إلى حسان فأمر ينزع عينيها فإذا فيهما عروق سود مملوءة من الأثمد (٢٧٢) الجيد الخالص.
__________________
الحيرة ، وكان" جذيمة" قد خرج يريد طسما وجديس في منازلهم من" جوّ" وما حولهم ، فوجد" حسان" قد أغار على طسم وجديس باليمامة ، فانكفأ راجعا بمن معه ، فأتت خيول" تبع" على سرية لجذيمة فاجتاحتها. فهو من معاصري" جذيمة" على رأي أهل الأخبار.
(٢٧٢) الأثمد : هو حجر الكحل الأسود يؤتى به من أصبهان وهو أفضله ويؤتى به من جهة المغرب أيضا وأجوده السريع التفتيت الذي لفتاته بصيص وداخله أملس ليس فيه شيء من الأوساخ ، ومزاجه بارد يابس ينفع العين ويقويها ويشد أعصابها ويحفظ صحتها ويذهب اللحم الزائد في القروح ويدملها وينقي أو ساخها ويجلوها ويذهب الصداع إذا اكتحل به مع العسل المائي الرقيق وإذا دق وخلط ببعض الشحوم الطرية ولطخ على حرق النار لم تعرض فيه خشكريشة ونفع من التنفط الحادث بسببه وهو أجود أكحال العين لا سيما للمشايخ والذين قد ضعفت أبصارهم إذا جعل معه شيء من المسك.