وأوقدوا النيران وعلقوا القدور وأشغلوا النساء بالطبخ ثم ائتوني بسيوفكم تحت ثيابكم. ففعلوا فمضى بهم إلى المكان المعروف بالضيافة وكل أراضيهم رمال. وكان من عادة عمليق أن كل بكر يفترعها يقف وليها خلف ظهره وهو جالس على السماط (٢٧٠) في مكان الضيافة لتعلم طسم كلها من هو ولي العروس وتتحققه مبالغة في إهانته.
قال : فدفن الأسود سيفه في الرمل خلف مجلس عمليق وقال لقومه من جديس هكذا فافعلوا ، فإذا جلس الملك وقفت خلفه وسيفي تحت قدمي ، فإذا اشتغل بالأكل وأخذت سيفي وضربت عنق عمليق يفعل كل منكم بمن هو فوق رأسه كما فعلت ، فلا يفلت أحد من القوم. فقالوا. سمعا وطاعة.
فأصبح عمليق سكران ، وكذا أعيان قومه وأنى إلى مكان الضيافة في أعظم زينة وهم مسرورون منشرحون. فلما أخذوا مجالسهم قدموا الضيافة فرأى عمليق ما لم يره من كثرة الضيافة ، فشكر الأسود وبش له. فقال واحد من قوم عمليق حين مد يده إلى الأكل : رب أكلة تمنع أكلات. فما استتم كلامه حتى قتل عمليق ، وكل من كان معه جالسا على الأكل وحضر الضيافة ، قتلة واحدة وامتلأت الجفان والمناسف بدماء القتلى. وقد قيل : إنه قتل في تلك الساعة من طسم ما يزيد عن ثمانين ألفا ، وما بقي من طسم رجل إلا من غاب عن الوليمة. ووضعت جديس سيوفها فيمن بقي من الرجال ونهبت وسبت وفتكت في طسم فتكا ذريعا وهربت شر ذمة من طسم إلى حسان بن تبع (٢٧١) ملك حمير باليمن فاستغاثت به فأغاثها. وتوجه حسان بعساكره
__________________
(٢٧٠) السماط : هو كل ما يمد ليوضع عليه الطعام في المآدب (القاموس ، ج ٣ ، ص ٤٨٧) ويطلق أحيانا على المائدة السلطانية ، وكانت تمد طرفي النهار من كل يوم.
(٢٧١) حسان بن تبع : يورد جواد علي عنه أنه" ذو معاهر" ، " تبع بن تبع تبان أسعد أبي كرب بن ملكيكرب بن تبع بن أقرن" وقد زعموا انه أغار على طسم وجديس باليمامة وإنه حارب" جذيمة" ملك