تلك الريح عليهم تنفخ في وجوههم النور والنضرة والسرور ، وتطيب قلوبهم ويزدادون نورا على نورهم ، وتضرب أبواب الجنان (٥٥٥) وحلق المصاريع ، وتسبح الأنهار بخريرها والأطيار بتغريدها والأغصان بتصفيقها ، فلو أن من في السموات والأرض قيام يستمعون لتلك اللذة لماتوا جميعا من طيبها وشوقا إلى مشاهدتها ، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، دار الثواب.
قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أرض الجنة ما هي؟ قال : يا بن سلام ، أرضها ذهب وترابها مسك وعنبر ، ورياضها الدر والياقوت والزعفران وسقفها عرش الرحمن ، قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن طعام أهل الجنة إذا دخلوها. قال : يأكلون من كبد الحوت الذي يحمل الدنيا والأراضي والجبال ، واسمه بهموت.قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن أهل الجنة ، كيف ينصرف ما يأكلون من ثمارها وأطيارها من أجوافهم؟ قال : يا بن سلام ، ليس يخرج شيء من أجوافهم بل يعرقون عرقا طيبا أطيب من المسك وأعبق (٥٥٦) من العنبر ، ولو أن عرق رجل من أهل الجنة مزج به البحار لعطر ما بين السماء والأرض من طيب ريحه. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن لواء الحمد ما صفته وكم طوله وارتفاعه؟ قال : يا بن سلام ، طوله ألف سنة ، أسنانه من ياقوتة حمراء وياقوتة خضراء ، قوائمه من فضة بيضاء له ذوائب من نور ، ذؤابة بالمشرق وذوابة بالمغرب ، والثالثة بوسط الدنيا. قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن الأسطر المكتوبة عليه وكم عدة ذلك؟ قال : ثلاثة أسطر ، الأول : بسم الله الرحمن الرحيم ، الثاني : الحمد لله رب العالمين ، الثالث : لا إله إلا الله
__________________
(٥٥٥) الجنان : البستان ومنه الجنات واشتقت من الاجتنان وهو الستر لتكاثف أشجارها (اللسان ١ / ٧٠٥).
(٥٥٦) العبق : الريح الطيبة.