النظر عن التفسير المشار إليه نقول : إنّ مثل نوع التكليف إنما هو الأمر بصيرورة الجبل يتحمل المحنة كالرماد والأمر باستقامة شعلة السراج في يوم عاصف وريح قاصف والأمر يتحمل القطن النار في جوفه ، ولنعم ما قيل بالفارسية :
در ميان هفت دريا تخته بندم ميكني |
|
باز ئى كه دامن تر مكن هشيار باش |
ويرشدك إلى ذلك ضعف بنيان الإنسان في غاية ما يدخل تحت الإمكان ، كما هو مقتضى قول سيّد السُّجّاد وزين العُبّاد عليه آلاف التحيّة من ربّ العباد :
«اللّهُمَّ وَإِنَّكَ مِنَ الضَّعْفِ خَلَقْتَنا، وَعَلَى الْوَهْنِ بَنَيْتَنا، وَمِنْ ماءٍ مَهينٍ ابْتَدَأْتَنا» (١)
ومثل حاله في عدم التمكّن من حمل ثقل المجاهدة ، ورعاية التكليف جناح الذباب والبعوضة ، وانظر أيها اللبيب إن الإنسان من ضعف عنصره لا يطيق في حال المرض للصيانة والتحفظ عمّا يضره ، فكثيراً ما يقدم على الأكل أو الشرب ممّا يضرّه بل يوجب هلاكه ، بل كثيراً ما يأكل بعض السموم من جهة قليل من الغضب ، فمن طاقته في تحمل خلاف الميل على هذا السياق والمساق كيف يتمكّن من تحمّل الغضب الشديد وترك الشهوات الغليظة طول العمر.
ويرشدك إليه أيضاً : أنّ الله سبحانه جعل بعض أفراد الإنسان فتنة للبعض ، كما نصّ عليه في الكتاب العزيز (٢) ، وشرارة الإنسان (٣) على حسب الميزان في حدّ
__________________
(١) الصحيفة السجّادية : الدعاء ٩ من دعائه عليه السلام في الاشتياق إلى طلب المغفرة من الله جلّ جلاله.
(٢) قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً) الفرقان ٢٥ : ٢٠.
(٣) وقد حكي في المجمع عن قائل من خاصّته : «أنّ الإنسان مركّب من صفات»