يوجب الانجرار إلى الكفر ، بل الاعتدال ليس إلّا من قبيل خطّ موهوميّ يوجب الموصول إليه التجاوز عنه ، وكلّ ما تجاوز عن حدّه انعكس إلى ضدّه فالأمر دائر بين الإفراط والتفريط ، فمع هذا ما أشدّ اشتداد تحصيل النجاة.
ويرشدك إليه أيضاً : حرمة طائفة من الأمور النفسانية نحو الكبر والحسد والعجب بناء على حرمة تلك الأمور بنفسها لا حرمة إظهار آثارها ، فإن خَلْعَ تلك الأمور عن النّفس والمجاهدة في إزالتها عن القلب في كمال الإشكال ، فما أشكل رعاية التكاليف الشرعية.
ويرشدك إليه أيضاً : أنّ اللّسان سهل الحركة ، وحركته توجب الغِيبَةَ كثيراً ، فما أشقّ المواظبة على ترك الغيبة ، بل من أعظم محن الدنيا أنّه ربّما تكون كلمة تأتي بحركة اللّسان توجب مفاسد كثيرة والمواظبة على صيانة اللسان فيها مشقّة كاملة ، ولا سيّما مع كون حرارة ما يوجب التكلّم بحيث كأنها توجب احتراق القلب ، فانظر أن الإنسان ربّما يرضى بأن يتكلّم بكلمة ولو صارت الكلمة موجبة لقتله ، ولا يعرف ما ذكرناه من لم يضبط لسانه ، وعلى هذا المنوال الحال في سائر المجاهدات فإنه لا يعلم بشدّتها على ما هي عليه من لم يأت بها ، وكذا الحال في المشقّات الدنيويّة فإنّه لا يتفطّن بها على ما هي عليه من لم يتّفق له الابتلاء بها ولو قصّ عليه القصّة ما بلغ بيان.
مَنْ لمْ يَبتْ والحبُّ حشو فؤادِهِ |
|
لم يَدرِ أينَ تُفَتتُ الأكبادُ |
بل ليس كلمة تخرج على وفق ميل الطبيعة إلّا وهي توجب المفسدة ، فوا شدّتاه ، ثمّ وا شدّتاه من دار هذه حالها ، فهل سجن أضيق وأصعب على النفس من هذه الدار ، فإن المسجون في شيءٍ من السجون لا يمانع عن التكلّم بوفق الميل ، بل الرّوح في البدن ممنوع من أكثر شهواته بل متابعة أكثر الشهوات توجب المفسدة