الدنيويّة ، ولو كانت الشهوة خفيفة فيا لله من هذا الشجن لهذا المسجون.
فنقول : إنّ كلاً ممّا ذكر من المرشدات كافٍ في الباب وإن تضايقت عن كفاية البعض ، فلا ريب في كفاية المجموع فلات حين مناص عن الصبر وأي صبر :
صَبْرٌ بما لو تَحملُ بعضَهُ جبالٌ |
|
برضوى أصبحتْ تتصدّعُ |
ولنعم ما في الأخبار من أنّه لولا مراعاة الصبر يتطرّق الكفر ، لكن مرارة الصبر في كلّ آن أمرّ من الصبر (١) فيكف الحال بمدّة العمر ، إلّا أنّه لو لم يكن الأمر في غاية العسر والمرارة لما كان للصالحين أن يدخلوا جنات عدن والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار (٢) ، فلا حول ولا قوة إلّا بالله ، ولا محيص ولا مخلص عن سؤال التوفيق والتسديد من الله سبحانه.
ولنعم ما يستفاد من بعض فقرات نهج البلاغة من أنّ الإنسان من شدة تغوّره في الشهوات لا يمكنه ولا يتمكن من الانتفاع بنفسه والخروج عن مفاسده ، إلّا بإعانة الله سبحانه وتوفيقه للانتفاع والخروج ، ولعمري إنّ غالب أفراد نوع الإنسان يأتي بالعصيان المناسب لشأنه على وجه العيان ، مثلاً بعضٌ يشرب الخمر بالمجاهرة ولا يأبى عن السياسة ، وهذا أخس درجات الإنسان ، وبعض يأتي بالقضاء جهراً مع عدم القابلية.
فويلٌ ثمَّ ويلٌ ثمَّ ويلٌ |
|
لقاضِ الأرضِ من قاضِ السماءِ |
__________________
(١) قوله : «من الصبر» قال في القاموس : «الصبر ككتف ، ولا يسكّن إلّا في ضرورة شعر ، عصارة شجر مرّ». منه رحمه الله.
(٢) إشارة لقوله تعالى : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِن آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِن كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد ١٣ : ٢٣ و ٢٤.