شجى) (١) ، ولعلّه لم يتّفق ما اتّفق عليّ من الصبر على المرارات لأحدٍ بعدَ العصمة ، وليس الصبر إلاّ من عناية الله سبحانه ، قال الله سبحانه خطاباً للنبيّ صلى الله عليه وآله : (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) (٢) ، وكان كثرة اشتغالي بحيث كنتُ استصحبُ أسباب الكتابة في الحمام ، وكتبتُ فيه فصلاً عن صرف الزّمان فيه في الفكر غالباً ، بل كنتُ متشاغلاً بالفكر في المشي حتى في الليالي ، وكذا في المكالمة الغير معي ، بل كنتُ كلّما تيقظتُ من النوم أتوجه إلى الفكر بمجرّد التيقّظ ، بل كنتُ كلّما انقلبتُ في النوم من شقّ إلى شقّ أتوجه إلى الفكر وكنتُ في بعض السنوات في أيام الشتاء صائماً من جهة اختلال المعيشة بملاحظة قوله سبحانه : (وَاسْتَعِينُوْا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) (٣) ، لتفسير الصبر بالصوم وكنت أصلّي صلاة العشائين بوضوء صلاة الفجر مع الاشتغال من الصباح إلى الرّواح ، وقد انجرّ الأمر إلى ضعف القلب ، ثمّ بعدَ البُرءِ في الجملة عدّتُ إلى السيرة الاُولى ، ثمّ عاد ضعف القلب ، ثمّ بعدَ البرءِ في الجملة قد اكثرتُ الاشتغال أيضاً بحيث ما أفطرت في شهر الصيام في سنتين إلّا بعد كتابة ما ألزمتُ على نفسي أن أكتبه كلّ يوم ، ثمّ انجرّ الأمر إلى جفاف المعدة من زيادة السهر ، وكان الأمر بحيث لو خليت المعدة توجع الودجات وعسر التكلّم وذلك باق إلى الحال ، وقد مضى عليّ سنوات بتلك الوتيرة ، ولله الحمد ، وله الشكر فوق ما يحمده الحامدون ويشكره الشاكرون على عنايته بالتوفيق.
«إلهي إِنْ لَمْ تَبْتَدِئْني الرَّحْمَةُ مِنْكَ بِحُسْنِ التَّوْفِيقِ فَمَنِ السَّالِكُ بي إِلَيْكَ في وَاضِحِ الطَّرِيقِ؟» (٤) وقد وصل من جانب الله سبحانه جلّ وعلا عنايات دنيويّة بحيث
__________________
(١) هذا تمثّل بكلام أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليه السلام في خطبته الشقشقيّة.
(٢) النور ٢٤: ٢١.
(٣) البقرة ٢: ٤٥.
(٤) مقطع من دعاء الصباح.