الرسالة ، بحيث لا يستطيع جوادٌ (١) بعد غايته ، ولا يطير طير إلى نهايته ، خدمةً لملاذ الخافقين ، وشفيع الثقلين ، مولاي ومولى الكونين روُحي وأرواح العالمين له الفداء ، ولعن الله أمة قتلته أو ظلمته أو سمعت بذلك ورضيت به ، وأرجو منه الشفاعة في يوم الجزاء.
وقد طال الاشتغال بتلك الرسالة إلى سنتين تقريباً ، بل تحقيقاً ، وقد كتبت طريقة الاحتياط خمس عشر مرّة من باب تجديد النظر وإصلاح ما فسد ، هذه اُصول المرات وإلّا ففي كلّ مرة لعلّه جاء مرّات.
ولقد جريتُ في كل ما جرى عليه قلمي إلّا أقلّ قليل على غاية من التعب والنصب ، وربما طالت مدّة الفكر في صفحة أو صفحتين إلى شهر أو شهرين ، وربّما امتدّت مدّة الفكر في بعض المطالب إلى شهرين أو أربعة أشهر ، وربّما كنتُ في التفكّر في عبارة لكن لا على وجه الاستغراق متمادياً إلى ستّة أشهر ، وا شدّتاه من حرارة الفكر وحالاته يخترق القلب بحراراته.
مَنْ لمَ يَبِتْ والحُبّ حشوَ فؤادِهِ |
|
لم يدرِ كيفَ تُفتتُ الأكبادُ |
وليس شيء من ذلك إلاّ من عناية الله سبحانه جلّ وعلا ، قال الله سبحانه : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِن أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ) (٢) ، وقد صبرتُ في محنِ هذه الدار دار النار ومنها محنة الفكر وتعميق النظر بعد محن أصل التحصيل (على طخيات (٣) عمياء ، يشيب فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، ويكدح فيها مؤمن ، حتّى يلقى ربّه ، وفي العين قذى ، وفي الحلق
__________________
(١) قوله : «بحيث لا يستطيع جواد بعد غايته» هذا مأخوذ من بعض أشعار الفرزدق في مدح مولانا سيّد السجّاد وزين العباد عليه آلاف التيّة من ربّ العباد إلى يوم التناد. منه عفي عنه.
(٢) النور ٢٤: ٢١.
(٣) قوله : «طخيات عمياء» مأخوذة من الخطبة الشقشقيّة. منه عفي عنه.