اليقين بارتفاع أحكامها بتمامها ، ضرورة أنّ قضيّة نسخ الشريعة ليست ارتفاعها كذلك ، بل عدم بقائها بتمامها.
والعلم إجمالا بارتفاع بعضها (١) إنّما يمنع عن استصحاب ما شكّ في بقائه منها (٢) فيما إذا كان (٣) من أطراف ما علم ارتفاعه إجمالا ، لا فيما إذا لم يكن من
__________________
ـ الاصول ٣ : ٢٢٧. وحاصله : أنّ انهدام الركن الثاني ـ وهو الشكّ في البقاء ـ انّما يلزم فيما إذا كانت هذه الشريعة ناسخة لجميع الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة ، إذ يقطع حينئذ بارتفاعها ولا يبقى شكّ في بقائها حتّى يستصحب. ولكنّه ممنوع ، إذ ليس مقتضى النسخ ارتفاع أحكام الشرائع السابقة بتمامها ، بل مقتضاه عدم بقاء أحكام الشرائع السابقة بتمامها ، فيصدق النسخ ولو لم ينسخ بعض أحكامها ، وحينئذ إذا شكّ في نسخ حكم من أحكامها يجري الاستصحاب.
وأورد عليه المحقّق الاصفهانيّ بما حاصله : أنّ حقيقة الحكم المجعول عبارة عمّا يوحى به بلسان جبرئيل عليهالسلام على قلب النبيّ الموحى إليه ، بحيث يكون ذلك الإنشاء القائم الوارد على قلب النبيّ عين جعله من الله تعالى ، من دون سبق الجعل ، فإذا بقي هذا الحكم في شريعة اخرى كان النبيّ اللاحق تابعا لذلك النبيّ السابق في ذلك الحكم. وحيث أنّ نبيّنا صلىاللهعليهوآله أفضل الأنبياء ولا يكون تابعا لنبيّ من الأنبياء في حكم من الأحكام فلا محالة يكون المجعول في شريعته مماثلا لما في شريعة موسى عليهالسلام ، فأمّته مأمورون بذلك الحكم من حيث أنّه أوحى به إلى نبيّهم صلىاللهعليهوآله ، لا من حيث أنّه أوحى به إلى موسى عليهالسلام ، فيكون جميع أحكام هذه الشريعة أحكام حادثه ، بعضها مماثل لما في الشرائع السابقة وبعضها مضادّ أو مناقض له ، وحينئذ يصحّ دعوى أنّ هذه الشريعة ناسخة لجميع الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة ، وأنّ الشكّ يؤول إلى حدوث حكم مماثل أو غير مماثل ، لا إلى بقاء ما في الشريعة السابقة وعدمه ، فلا شكّ في البقاء ، ولا مجال للاستصحاب. نهاية الدراية ٣ : ٢١٤ ـ ٢١٥ و ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
(١) هذا إشارة إلى توهّم آخر لمن أنكر حجّيّة استصحاب عدم نسخ حكم من أحكام الشرائع السابقة. وحاصله : أنّه لو سلّم عدم اختلال أركان الاستصحاب فيما كان المتيقّن من أحكام الشريعة السابقة لا يجري الاستصحاب أيضا ، لأنّ المفروض أنّ نسخ الشريعة عبارة عن رفع جملة من أحكامها ، لا رفع تمامها ، وحيث أنّ تلك الجملة غير معلومة لنا تفصيلا فنعلم إجمالا بثبوت بعض أحكامها لنا ، والاستصحاب لا يجري في أطراف العلم الإجماليّ.
(٢) أي : من أحكام الشرائع السابقة.
(٣) الضمير المستتر في قوله : «كان» وقوله الآتي : «لم يكن» يرجع إلى ما شكّ في بقائه من تلك الأحكام.