على خلافه ليس من نقض اليقين بالشكّ ، بل باليقين (١). وعدم رفع اليد عنه مع الأمارة على وفقه ليس لأجل أن لا يلزم نقضه به (٢) ، بل من جهة لزوم العمل بالحجّة (٣).
لا يقال : نعم ، هذا لو اخذ بدليل الأمارة في مورده ، ولكنّه لم لا يؤخذ بدليله ، ويلزم الأخذ بدليلها؟ (٤)
__________________
(١) ويمكن تقريب ورود الأمارة على الاستصحاب بوجوه :
الأوّل : أنّ موضوع أدلّة الاستصحاب هو «نقض اليقين بالشكّ» ، وإذا قام الدليل المعتبر على أمر كان الأخذ به ـ سواء وافق الحالة السابقة أو خالفها ـ نقضا لليقين باليقين ، لا نقض اليقين بالشكّ ، فيرتفع موضوع الاستصحاب ـ وهو نقض اليقين بالشك ـ حقيقة ببركة دليل اعتبار الأمارة. وهذا ما أفاده المصنّف رحمهالله في درر الفوائد : ٣٩٠.
الثاني : أنّ المراد من اليقين في الأخبار الدالّة على حجّيّة الاستصحاب هو مطلق الحجّة ، لا اليقين الوجدانيّ ، وإنّما ذكر خصوص اليقين لكونه أعلى أفراد الحجّة ؛ كما أنّ المراد من «الشكّ» فيها هو اللاحجّة ، فيكون موضوع الاستصحاب نقض الحجّة باللاحجّة. والإمارة المعتبرة حجّة. فإذا قامت الأمارة المعتبرة على ارتفاع الحكم أو بقائه ينتفي موضوع الاستصحاب ، فإنّ الأخذ بالأمارة حينئذ يكون من نقض الحجّة بالحجّة ، لا من نقض الحجّة باللاحجّة. وهذا الوجه يستفاد من كلمات المصنّف رحمهالله في الاستدلال بالأخبار.
الثالث : أنّ المراد من اليقين في أخبار الاستصحاب هو مطلق الإحراز الشامل للإحراز الوجدانيّ والإحراز التعبّدي ، وإنّما اخذ خصوص العلم في ظاهر الدليل لكونه أحد مصاديق الإحراز. فيكون مفاد الأخبار أنّ الإحراز لا ينقض بالشكّ ، بل لا بدّ في نقضه من إحراز آخر. ولا شكّ أنّه إذا قامت الأمارة على خلاف مؤدّى الأصل يكون مؤدّى الأمارة محرزا ببركة التعبّد بالأمارة وتتميم كشفها بجعل الشارع ، وإذا حصل الإحراز فيخرج المورد عن موضوع دليل الاستصحاب حقيقة ولا يشمله قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشكّ» الّذي كان معناه «لا تنقض الإحراز بالشكّ» ، بل يندرج حقيقة في قوله عليهالسلام «بل تنقضه بيقين آخر» ، وهذا هو معنى الورود. هذا ما تعرّض له المحقّق النائينيّ في فوائد الاصول ٤ : ٥٩٩ ـ ٦٠.
وهذه الوجوه ذكرها بعض الأعلام وناقشوا فيها ، فراجع فوائد الاصول ٤ : ٥٩٧ ـ ٦٠١ ، نهاية الأفكار ٤ (القسم الثاني) : ١٨ ، موسوعة الإمام الخوئيّ (مصباح الاصول) ٤٨ : ٢٩٤ ـ ٢٩٦.
(٢) أي : نقض اليقين بالشكّ كي يكون العمل به مستندا إلى الاستصحاب ، لا إلى الأمارة.
(٣) وهي الأمارة.
(٤) وحاصل الإشكال : أنّ العمل بمؤدّى الإمارة المخالف للمتيقّن السابق إنّما يكون نقضا ـ