بسيل أم نهشل ، من أعلى من طريق الرّدم ؛ فذهل المسجد الحرام ، واقتلع مقام إبراهيم من موضعه ، وذهب به حتى وجد بأسفل مكة ، وغير مكانه الذى كان فيه لما عفاه السيل ؛ فأتى به ، وربط بلصق الكعبة فى وجهها ، وذهب السيل بأم نهشل بنت عبيدة بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصى بن كلاب ؛ فماتت فيه ، واستخرجت بأسفل مكة.
وكان سيلا هائلا ؛ فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، وهو بالمدينة الشريفة ، فأهاله ذلك وركب فزعا مرعوبا إلى مكة ؛ فدخلها بعمرة فى شهر رمضان ، فلما وصل إلى مكة وقف على حجر المقام ، وهو ملصوق بالبيت الشريف ، فتهول من ذلك ثم قال : أنشد الله عبدا عنده علم من هذا المقام.
فقال المطلب بن وداعة السهمى (رحمهالله تعالى) : أنا يا أمير المؤمنين عندى علم بذلك ، قد كنت أخشى عليه مثل هذا الأمر ، فأخذت قدره من موضعه إلى باب الحجرة ، ومن موضعه إلى زمزم لحفظه ، وهى عندى فى البيت ، فقال له عمر رضياللهعنه : اجلس عندى وأرسل إليها ، وأت بها ، فقيس بها.
ووضع حجر المقام فى ذلك المحل ـ يعنى الذى هو فيه الآن ـ واحكم ذلك واستمر فيه إلى الآن».
قال : «وفيها وسع أمير المؤمنين عمر رضياللهعنه المسجد الحرام بدور اشتراها ، وهدمها وأدخلها المسجد ....» ، وذكر ما قدمناه آنفا.
قال : «وفيها عمل أمير المؤمنين عمر رضياللهعنه الردم الذى بأعلى مكة ؛ صونا للمسجد ، بناه بالصغائر والصخر العظام ، وكبسه بالتراب ، فلم يعله سيل بعد ذلك ، غير أنه جاء سيل عظيم فى سنة ٣٠٣ ه ؛ فكشف عن بعض أحجاره ، وشوهدت فيه صغار عظيمة ، لم ير مثلها.
والأقدمون يسمون هذا الردّم ردم بنى جمح ـ بضم الجيم ، وفتح ، وبعد حاء مهملة ـ وهم بطن من قريش ، ينسبون إلى جمح بن عمرو بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك».