قال الحافظ النجم عمر بن فهد (رحمهالله تعالى) فى حوادث سنة ١٧٠ ه : «فيها حج هارون الرشيد بالناس ، وفرق مالا كثيرا ، وكان حجه ، ما يشاء على اللبود ، تفرش له من منزل ، وقيل : إن الحجة التى حج فيها ما يشاء هى حجته فى سنة ١٧٧ ه ، وقال : وفى بعض حجات هارون الرشيد ، أخلى له السعى ، ليسعى فتعلق ببغلته أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بن عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، فوقف له هارون ، وأقبل عليه ، فصاح به : يا هارون ، فقال : لبيك يا عم ، قال : ارق إلى الصفا ، فلما رقاه قال : ارم بطرفك إلى البيت ، قال : قد فعلت ، فقال : كم هم (يعنى الحجيج) قال : ومن يحصيهم إلا الله تعالى ، قال : فاعلم أيها الرجل أن كل واحد من هذه الخلائق يحاسب عن خاصه نفسه ، ويسأل عنها وحدها يوم القيامة ، وأما أنت وحدك فتسأل عنهم أجمعين ، فانظر كيف جوابك حين تسأل يوم القيامة؟ فبكى هارون بكاء شديدا ، وجلس وخدمه يعطونه منديلا ، بعد منديل ، وهو يبلها بدموعه ، فقال له : وأخرى أقولها ، قال : قل يا عم ، فقال : إن الرجل إذا أساء التصريف فى ماله حجر عليه ، فكيف تسرف فى مال المسلمين وتسئ التصريف فيه وأنت تحاسب بين يدى الله تعالى على جميع ذلك؟ فازداد بكاؤه ، وازداد نحيبه ، وأراد جنده أن يطرد الرجل عنه فكفهم عنه إلى أن فرغ من نصائحه ، وقام عنه بنفسه هارون يبكى ويتضرع ، ويستغفر.
* * *
فصل
وفى أثناء دولة الرشيد ، قدمت الخيزران أم الرشيد والهادى إلى مكة قبل الحج فى سنة ١٧١ ه ، فأقامت إلى أن حجت ، وعملت الخيزران الخيرات ، واشترت دورا بالصفا إلى جانب دار الأرقم المخزومى ، التى تشتمل على مسجد مأثور ، يقال له «المجتبا» لأن النبى صلىاللهعليهوسلم كان يدعو فيه إلى الإسلام خفية من صولة المشركين فى أول البعث.