الأمين رأسه إلى مسرور ، فقال له : إن طاهر بن الحسين دخل بعسكره إلى بغداد ، فقال : دعنى ، فإن الجارية فلانة صادت مشنقتين ، وأنا ما صدت شيئا ، فرجع مسرور باهتا ، وإذا بالحبذ قد حاطوا بدار الخلافة ونهبوها ، وأمسك طاهر بن الحسين الأمين بيده ، وحبسه ، فلما شاهد الأمين هذاي الحال ، قال لظاهر بن الحسين : يا طاهر ؛ اعلم أنه ما قام لنا قائم قط ، وكان جزاؤه عندنا إلا السيف ، انظر لنفسك ، أو دع يلوح بأبى مسلم وأمثاله الذى بذلوا أموالهم فى قيام الدولة ، فكان مالهم إلى القتل ، فهذه عادة الله تعالى فى مقيمى الدولة كعمرو بن سعيد ، أقام دولة عبد الملك بن مروان ؛ فقتله ، وأبى مسلم الخراسانى قام بدولة السفاح فقتله المنصور ، وكعبد الله القائم بدولة العبيديين ، قتله عبد الله المهدى.
وأمثال ذلك كثيرة ـ فيمن ذكرت ـ فأثرن هذه الكلمات فى قلب طاهر ، وصار يخدر منها ، إلى أن كان آخر قتله بيد المأمون.
ولما رأى طاهر بن الحسين بعد الاستيلاء على الأمين ، وحسه ، عدم سكون الفتنة ، أدخل عجما لا يعرفون اللسان على الأمين وأمرهم بقتله ، فقتلوه ، وأخذ برأسه وطيف بها فى مدينة بغداد ، ونودى عليه هذا رأس المخلوع ، إلى أن سكنت الفتنة وكان ذلك فى محرم سنة ١٩٨ ه.
قال محمد بن راشد : أخبرنى إبراهيم بن المهدى : أنه كان مع الأمين لما حوصر ؛ فطلبنى فى ليلة مقمرة ؛ فجئته ، فقال : ما ترى فى حسن هذه الليلة ، وضوء هذا القمر ، فاشرب معى نبيذا ، فقلت : نعم ، فسقانى ، ثم طلب جارية مغنية ، فجأت جارية اسمها ضعف فتطيرت منها ، وغنت بشعر النابغة الجعدى :
كليب لعمرى كان أكثر صرا |
|
وأيسر ذنيا منك صرح بالدّم |
فتطيب من ذلك ، وقال : غنى غير هذا ، فغنت :
أبكى فراقهم يوما فأرقنى |
|
إن التفرق للأحباب بكاء |
ما زال يعد وعليهم ذئب دهرهم |
|
حتى تفانوا وريب الدهر عداء |