فلم يأمنوه ، وأرادوا قتله ؛ فما أمكنهم الإقدام على ذلك لشدة محازرته منهم ، فدسوا إلى طبيبه ابن طيفون ثلاثين ألف دينار عند توعيكه ؛ ليسمه ، فقصده بمبضع مسموم ، فأحسن بذلك ، وأراد قتل الطبيب ، قال : إنك تصبح طيب وتندم على قتلى ، فأمهلنى إلى الصبح ، فأمهله فأصبح ميتا.
ويحكى أنه بات ليلة فى وعكه ، وابنه فزعا ، وهو يبكى ، فسألته أمه : ما يبكيك؟ فقال : أفسدت فيها دينى ودنياى ، رأيت أبى الساعة ، وهو يقول : قتلتنى يا محمد لأجل الخلافة ، والله لا تتمتع بها إلا أيام قلائل ، ثم مصيرك إلى النار ، فاستمر موهوما من هذا المنام ، فما عاش بعد ذلك ، إلا أياما قليلة.
وذكر ابن يحيى المنجم : أن المنتصر جلس يوما للهو ، وأمر بفرش بساط من زخائر الخزينة ، تداولته الملوك ، ففرش ، فرأى فيه صورة رأس ، رأى عليه نساج وعليه كتابة فارسية فطلب من يستخرج تلك الكتابة ، أحضر لذلك رجل من الأعاجم ، فقرأه بلسانه ، وعبس عند قرأتها ، فسأله المنتصر عنها ، فقال : لا معنى لها ، فألح عليه ، فقال : أنا الملك شرويه بن كسرى بن هرمز ، قتلت أبى لم أتمتع بالملك بعده إلا ستة أشهر ، فتغير وجه المنتصر لذلك ، وقام من ذلك المجلس وترك اللهو الذى أراده ، صار مغتما لذلك ، مهتما به.
وكان على خلاف رأى أبيه فى آل أبى طالب ، وأعاد قبر الإمام الحسين رضياللهعنه بعد ما كان هدمه أبوه وأمر بزيارته ، ورد على آل الحسين حايها فذك هى أرض بأرض الحجاز ، وقصته مشهورة ، وهى مما تنقمه الشيعة على يد سيدنا أبى بكر الصديق رضياللهعنه ، وإنما فعل ذلك بحديث سمعه من النبى صلىاللهعليهوسلم ورضى الله به سيدنا علىّ بن أبى طالب ، ولم ينقض ذلك الحكم لما آلت الخلافة إليه ، لعلمه أن ذلك هو الحق ، وما ذا بعد الحق إلا الضلال؟
وكانت خلافة المنتصر ستة أشهر ، كما توهمه.
قال أبو المنصور الثعالبى ، فى العجائب : «أن أعراق الأكاسرة فى الملك شيرويه قتل أبيه ، فلم يعيش بعده إلا ستة أشهر». انتهى.