قلت : وكل منهما مات مسموما ، وكانت وفاة المنتصر بمبضع سموم ـ كما قدمناه ـ بخمس مضين فى ربيع الآخر سنة ٣٤٨ ، وكان عمره ستا وعشرون سنة (رحمهالله تعالى).
ثم ولى بعده أبو العباس ؛ أحمد ، المستعين بالله (١) ابن المعتصم بالله عم المقتدر أخو المتكل على الله ، وإنما قدمته الأتراك ، واختاروه ، وعدوا عن أولاد المتوكل ، لأنهم قتلوه ، فخافوا أن يلى الخلافة أحد من أولاده ، فيأخذ بثأر أبيه ، واختاروا من أولاد المعتصم المستعين بالله ، ومولده سنة ٣٣١ ه ، وأمه أم ولد محارف ، وما كان له من الخلافة إلا الاسم.
وكانت المماليك والأتراك المتولين على الملك ، وكان الأمر جميعه لوصيف التركى ، وبغى التركى.
وقيل فى ذلك : خليفة فى قفص بين وصيف وبغا ، يقول كما قالا له ، كما تقول البيغا ، واستمر كذلك ، وهو يترصد لهما ؛ فظفر بوصيف التركى وقتله ، وبقى باعز التركى ، الذى كان سطى على المتوكل ، وفتك به ، فتذكر حالة الأتراك ، فخرج عليهم من سائر إلى بغداد ، فأرسلوا إليه يعتذروا ، ويسألونه عن العود إلى سامراء ، وهو محل الأتراك ، فامتنع فيهم.
وكان المستعين فاضلا أديبا ، إخباريا مطلعا على التواريخ ، متجملا فى ملبسه ، وهو أول من أحدث الأكمام العراض ؛ فجعل لكم ثلاث عرض أشبارا ، وهو الآن من شعار ساداتنا أشراف مكة بنى حسن (أعزهم الله تعالى).
ولما أبى المستعين عن العود إلى الأتراك فى سامراء ، قصدوا الأتراك خلعه ،
__________________
(١) أبو العباس أحمد المستعين بالله ؛ هو : أحمد بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور الهاشمى العباسى ، أمه : أم ولد رومية تسمى : مخارق ، ولد سنة ٢٢١ ه ، وقتل فى الثالث من شوال يوم الأربعاء سنة ٢٥٢ ه ، وله إحدى وثلاثون سنة ، وكان الذى قتله سعيد بن صالح الحاجب ، بعثه إليه المعتز. تاريخ الخميس : ٢ / ٣٤٠.