فأتوا إلى الحبس ، واستخرجوا منه أبا محمد عبد الله بن المتوكل على الله ، ولقبوه المعتز بالله (١) ، وبايعوه ، وعمره تسعة عشر عاما ، ولم يلى الخلافة أصغر سنا منه ، وخلعوا المستعين بالله فى أول سنة ٣٣ ه.
وجيشوا إلى بغداد جيشا كثيرا إلى المستعين بالله ، وقاتلوه وقاتلهم ، ودام القتال شهرا ، وكثر القتل ، وغلت الأسعار وعظم البلاد ، وتلاشى أمر المستعين بالله إلى أن خلع نفسه ، وأشهد القضاة والعدول على نفسه بذلك ؛ فأخذوه ، وانحدروا به إلى وسط ، وحبسوه تسعة أشهر.
ثم ندب لما سعد الحاجب ، فذبحه فى الحبس ، فى ثالث شوال سنة ٣٥٣ ه ، وله إحدى وثلاثون سنة.
واستمر المعتز بالله خليفة ، وكان بديع الحسن ، حسن الصورة ، وليس من الخلفاء أجمل منه حسنا ، وكان متضعفا مع الأتراك ، وكان صالح بن وصيف مستوليا على المعتز ، خائفا منه ؛ فاجتمع الجند عليه ، فطلبوا منه أرزاقهم ، ووعدوه إذا أنفق عليهم فقتلوه أشر قتلة.
ركبوا له على صالح بن وصيف ، فصفوا له الملك ، ولم يكن فى خزائنه مال يصرف عليهم ، فطلب من أمه ، وكانت تركية ، اسمها قبيحة ؛ لفرط جمالها بين النساء ، فأبت عليه وشحت بالمال ، وشحت بولدها وهو خليفة ، وكان معها مال عظيم ؛ فاتفق الأتراك على خلعه ، وركب عليه صالح بن وصيف ومحمد بن بغا ، أو أتوا إلى دار الخلافة وهجموا على المعتز ، وجروا برجله ، ووقفوه فى الشمس وعذبوه حتى خلع نفسه ، وأدخلوه الحمام ، ومنعوه من شرب الماء ، إلى أن مات عطشانا (رحمهالله تعالى).
__________________
(١) المعتز بالله ؛ هو : محمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور ، أمه : أم ولد تسمى : قبيحة ؛ لجمال صورتها ، ولد سنة ٢٣٢ ه ، وبويع بالخلافة عند خلع المستعين بالله ؛ عمه نفسه فى أول سنة ٢٥٢ ه ، مات فى شعبان سنة ٢٥٥ ه. تاريخ الخميس : ٢ / ٣٤٠ ، ٣٤١.