ومات تحت ذلك عشرة أنفس من خيار الناس ، وكان عامله بمكة يومئذ هارون بن محمد بن إسحاق ، وقاضيها يعقوب بن يوسف القاضى.
فلما رفع أمر هذا الهدم إلى بغداد ، أمر أبو أحمد الموفق بالله ، عامله إلى مكة هارون المذكور ، بعمارة ما انهدم من المسجد الحرام الشريف ، وجهز إليه مالا بسبب ذلك ، وشرع فى عمارته ، وجدد له سقفا من خشب الساج ، ونقشه بالألوان المختلفة ، وأقام الأسطوانتين الساقطتين ، وبنى عقودهما وركب السقف ، وركب فى أيام عمارته سرادق بين العمال والبنائين وبين الناس ليسترهم عن أعين الناس بالمسجد الحرام ، إلى أن أكمل ذلك فى سنة ٣٧٣ ه ، فركب من الحجر لوحين فى جدار المسجد الشريف ، فى ذلك الجانب ، نقش على أحدهما بالنقر فى لوح الحجر ، ما صورته :
بسم الله الرحمن الرحيم : «أمر أبو أحمد الموفق بالله ، الناصر لدين الله ، ولى عهد المسلمين ـ أطال الله تعالى بقاءه ـ بعمارة المسجد الحرام ؛ رجاء ثواب الله تعالى ، والزلفة إليه ، وتم ذلك على يد عامله على مكة ، هارون بن إسحاق بن موسى فى سنة ٣٧٣ ه».
وعلى اللوح الثانى نقر كتابة صورتها :
بسم الله الرحمن الرحيم : «أمر الناصر لدين الله ، ولى عهد المسلمين ، أبو أحمد الموفق بالله ، أخو أمير المؤمنين (أطال الله بقاءهما) القاضى يوسف بن يعقوب ، بعمارة المسجد الحرام ، لما فى ذلك من رجاء ثواب الله تعالى ، أجزل الله تعالى ثوابه وأجره ، وأتم ذلك على يد محمد بن العلاء ابن عبد الجبار فى سنة ٣٧٣ ه.
والحجرين المذكورين لا وجود لهما الآن ، محاهما الدهر والزمان ، وعفى أثرهما القديم الجديدان ، كما عفى أثر غيرهما من العمائر والبنيان ، ودار عليهما الدوران ، ولا يبقى الأثر بعد زمان :
الدهر يفجع بعد العين بالأثر |
|
فما البكاء على الأشباح والصور |
وقد نقلت صورة تلك الكتابة من تاريخ مكة ، للإمام أبى عبد الله محمد ابن إسحاق الفاكهى رحمهالله.