وكان للموفق بالله ولد نجيب ، هو أحمد أبو العباس ، جعله الموفق ولى عهده ، واستعان به فى حروبه ، وأحواله وظهرت به نجابة وقوة ، فخشى الموفق منه على نفسه ، وعلى أخيه المعتمد ، لما رأى من شجاعته وإسالته ، فأودعه بطن الحبس ، ووكل به من يثق به فى أمره ، واستمر محبوسا إلى الزمان الذى قدره الله.
ثم وقعت الوحشة بين الخليفة والمعتمد على الله ، وعلى أخيه الموفق بالله المذكور ، وتباغضت قلوبهما ، وتشاحنت الصدور ، فإن الرئاسة الدنيوية ، لا تقبل الاشتراك والغيرة على الملك والسلطنة أسرع شىء توغر صدور الأملاك والانفراد والاستقلال ، مما يتفانى عليه أنباء الدنيا من أصحاب الأملاك.
ومما قيل :
وما هى إلا جيفة مستحيلة |
|
عليها كلاب هممن اجتذابها |
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها |
|
وإن تجتذبها نازعتك كلابها |
ولما كان المعتمد على الله مع كونه عاجزا عن أخيه الموفق كان يريد هضمه ، لاستيلائه على المملكة ، ورضاء الناس عنه ، واشتغاله بالفحص عن أحوال الرعية عن الملاهى والملاذ ، واستعان المعتمد على الله فى هضم جانب أخيه ، بصاحب مصر يومئذ أحمد بن طولون ، وكان ملكا شجاعا فاتكا ، صاحب جيوش وجنود ، كثير الأموال والخزائن ، مستقلا بمملكة مصر ، يأخذ خراجها ، وكانت يومئذ عامرة بأهلها كثيرة المحصول ، لرفقه برعيته وتقويته لهم ، وعدم ظلمه وجوره عليهم.
وكان يحصل منها أموالا كثيرة جدا ؛ بسبب عمرتها وكانت كالروض البهيج على زهرتها ونضارتها ، وكانت خرابا أكثرها مأوى والسعداء.
ولا يفرق أهلها ورعيتها ، من جور ولاتها بددا ، عمرها الله تعالى ، بمعدلة سلطاننا الأعظم ، وخليفة عصرنا الأكرم الأفخم ، الذى عمر بمعدلته البلاد سلطان السلاطين ، السلطان مراد ألهمه الله تعالى العدل والرفق بالعباد.