ومحى بسيفه الصارم أهل الظلم والفساد ، وأطال عمره ودولته ، حتى يلحق الأحفاد بالأجداد ، فكاتب المعتمد على الله أحمد بن طولون ، وأمره أن يقاتل أخاه الموفق ، ليخف أمره على ذلك ، ويهون.
وجرت بينهما من ذلك شئون ، واشتغل الموفق بذلك عن أخيه ، وصار يواليه تارة ، ويداريه ، ويباعده تارة ويدانيه ، ومضى على ذلك أيام ، وانقضى عليه أعوام ، إلى أن مالت قناة حياة الموفق كل الميل ، ولزم بطون الفراش بعد شئون سوابق الخيل ، ووهى حده ، ووهنت قواه وصانه حصانه ووقاه ، وخانه يده عن حمله ، قلما من بعد حطم القنا فى لبه الأسد ، فلما اشتد حاله وتحقق عنه علمانه وماله ، وبادروه إلى الحبس ، وكسروه وأخرجوا منه ولده المعتضد وأووه ونصروه ، وجاءوه إلى والده الموفق.
فلما أيقن بالموت وتحقق ، وقال له : يا ولدى لهذا اليوم خبأتك ، وفوض إليه ، وأوصاه بعمه المعتمد ، وكان ذلك قبل موت الموفق بثلاثة أيام (فعطف الموت على الموفق عطف النسق) ، فركب طبقا على طبق إلى أطباق الثرى والعبق ، ومضى عن الدار الفانية ، إلى دار البقاء والتحقق ، وكانت وفاته رحمهالله تعالى فى سنة ٣٧٨ ه.
فشمت فى بوته أخيه المعتمد ، وظن أنه استراح من الموفق وما علم ، أنه عن قليل بأخيه يلحق ، وحسب أنه صفى له الدهر ، وما علم أن الصفاء يعقبه الكدر ، وأن الدهر ما يبقى لأحد من البشر ، وأن صروف الدهر تأتى بالغير والعبر ، وأنها لا تبقى ، ولا تذر ، فما حال عليه الحول حتى استلب ذلك الطول والخول ولم يكن له بعد خزلان الناصر قوة ولا ناصر ، ولا طال عمره القصية ، ولا استطال حوله القاصر.
ولم يبقى للمعتمد عماد ولا اعتماد على الدهر الخون الغادر ، فانتقل من سرير الملك إلى حظير الهلك ، ومضى كأن لم يكن شيئا مذكورا ، وكان أمر الله قدرا مقدورا ، وكانت وفاته ليلة الاثنين لإحدى عشر ليلة بقيت من رجب سنة ٣٧٩ ه (رحمهالله تعالى).