وولى الخلافة فى تاريخه ، ابن أخيه أبى العباس بن أحمد المعتضد بالله ، ابن طلحة الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد العباس ، مولده سنة ٣٣ ه ، وبويع له بالخلافة بعد عمه المعتمد فى تاريخ وفاته المذكور آنفا ، وأمه أم ولد اسمها صواب ، وكان ملكا مهيبا ، ظاهر الجبروت ، وافر العقل شجاعا ، يقدم على الأسد وحده شديد السياسة ، قليل الرحمة إذا غضب على أحد ، ألقاه فى حفرة وطم عليه التراب.
وكان أسقط المكوس فى أيامه ، ورفع الظلم عن الرعية ، جدد ملك بنى العباس ، بعد ما تضعضع ووهن ، وأظهر عزم الملك بعد ما تذلل وامتهن.
وكان يسمى السفاح الثانى ، حيث جدد كلا منهما ملك بنى العباس.
وفى ذلك يقول ابن الرومى :
هنيئا بنى العباس إن إمامكم |
|
إمام الهدى والبأس والجود أحمد |
كما بأبى العباس إن شاء ملككم |
|
كذا بأبى العباس أيضا يجدد |
إمام تظل الأسد تشكو فراقه |
|
تأسف ملهوف ومشتاقة غد |
وقال عبد الله بن المعتز :
أما نرى ملك بنى هاشم |
|
عاد عزيزا بعد ما ذلل |
يا طالب الملك كن مثله |
|
نستوجب الملك وإلا فلا |
وكان مع سطوته وبأسه يتوخى المعدلة ، ويبرز أمورا فى صورة الجبروت والعنف ، وهو فى الباطن بحق فيما يفعله ، وهذا هو الرأى السديد للحاكم الرشيد بجمعه ما بين سياسته الدنيا ، وملاحظة ما هو الحق عند الله تعالى.
وقد نقل الحافظ السيوطى رحمهالله فى تاريخ الخلفاء عن عبد الله بن حمدون قال : خرج المعتضد يوما للصيد ، وأنا معه ، فمر بمقتاة فعاث بعض جنوده فيها ، فصاح صاحبها ؛ فاستغاث بالمعتضد فأحضره وسأله عن سبب بصياحه ، فقال : ثلاثة من غلمانك نزلوا المقتاه ، فأضربوها ، فأمر عبيده بإحضارهم ، فحضروا ، فضرب أعناقهم ، ومضى وهو يحادثنى ، فقال :