أدقنى يا عبد الله ، ما الذى تنكره من أحوالى؟ فقلت له : تسفك الدماء كثيرا ، فقال : ما سفكت دما حراما قط ، فقلت له : (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) أحمد ابن الطيب؟ فقال : إنه دعانى إلى إلحاد ، وظهر لى إلحاده ؛ فقتله ، لنصرة الدين ، فقلت له : فالثلاثة الذين نزلوا المقتاة الآن ، بما استحللت دماءهم؟ ولأى شىء قتلتهم؟ فقال : والله ما قتلتهم ، وإنما أحضرت ثلاثة من قطاع الطريق ووهمت الناس أنهم هم الذين نزلوا المقتاة ، فأمرت بضرب أعناقهم ، ثم أحضر صاحب الشرطة ، فأمره بإحضار الثلاثة الذين تولوا المقتاة ، فأحضرهم بأنفسهم ، وشاهدتهم ، ثم أمرهم بإعادتهم إلى الحبس ، وهكذا ينبغى تدبير السياسة ، وإظهار النصفة وتخويف الجند وإرهابهم.
ومن معدلته : أنه كتب إلى الآفاق ، بإبطال ديوان المواريث ، والأمر بتوريث ذوى الأرحام ، وكانوا يحرمونهم الميراث وكانوا يستولون على مخلفات الأموال بالظلم.
ولا يصل الوارث جميع حقه من الأرث ، بل يأخذ كثير من غير حقه ، بأنواع التغلبات ، وكان يحصل على الرعية ظلم كثير بسبب ذلك ، وبعض الظلم باق إلى الآن ، ييسر الله تعالى إزالته على يد سلطان عصرنا ، وفقه الله تعالى لإحياء المكارم ، وإزاء المراحم ، وأعانه على إبطال المظالم.
ولما أمر المعتضد بإبطال ديوان المواريث فى سائر مملكته ، فرح الناس بذلك الخبر (١) ؛ ودعوا بدوام دولته ، وصار له بذلك صيت عظيم ، وأجر جميل عند الله الكريم ، ولعله هو الذى نفعه فى يوم آخرته ، ودخله الله جنات النعيم.
وكان من قضاته الإمام القاضى ، أبو خارم ـ بالخاء المعجمة والراء ـ وهو من أكابر العلماء ، أهل الدين والتقوى.
فكان من بعض تحلياته فى الدين أن شخصا انكسر عليه مال كثير للناس ، وثبت ذلك عليه عند القاضى المذكور ؛ فأمر بتوزيع ماله على [غرمائه](٢)
__________________
(١) فى (س) : وأخبره.
(٢) سقط من (س).