ولما أن عض المعتمد عضد الموت العاضد ، وتطع عرق حياته مباضع الزمان الحاسد ، ولا حمته عن الحمام قوته ولا منعته عن منعته ولا هيبته فأنزلته يد المنايا من سرير الخلافة والملك وأركبته سرير الآلة الجدباء إلى حفير شفير الفناء والهلك ، ودفنته فى تربة عمله الصالح ، وسقت ثراه بما طاب من ثنائه الفاتح.
ومن أغرب ما حكاه المسعدى عن المعتضد فى وفاته : «أنه اعتل من إفراطه فى كثرة الجماع وطالت علته وغشى عليه ، فشك من حوله فى بيته ، وكان لا يحسر عليه أحد لشدة هيبته فتقدم إليه الطبيب يختبره يجس نبضه ففتح عينيه ونظر لذلك فرفس الطبيب برجله رفسة فدجاه أذرعا ، فمات الطبيب ثم مات المعتضد من ساعته ، وكان وفاته يوم الاثنين لثمان بقين من ربيع الآخر سنة ٢٨٩ ه ، وخلف من الأولاد أربعة ذكورا وإحدى عشر بنتا.
وكان مدة ملك المعتضد تسع ستين وتسعة أشهر ونصف رحمهالله تعالى.
* * *
فصل
لما اشتد المرض بالمعتضد جعل ولى عهده من بعده ولده أبا محمد على ، ولقبه المكتفى بالله ، وأخذ له البيعة قبل موته بثلاثة أيام.
فلما تولى المعتضد إلى رحمة الله تعالى كان المكتفى بالله غائبا بالرق ، فنهض بأعباء البيعة له الوزير أبو الحسين القائم بن عبيد الله ، وكتب إليه فوصل إلى بغداد من الق فى سابع جمادى الأول ، وكان يوم وصوله يوما مشهودا زينت له بغداد ونزل دار الضيافة ، وخلع على الوزير المذكور وسيع خلع عظيمه ومدحه الشعراء وأنعم عليهم بالجوائز السخية فى غرة ربيع الأول سنة ٢٩٣ ه ، وأمه أم ولد تركية اسمها «جيحك» ، وكان مليح الصورة ، يضرب بحسنه المثل وفيه قال القائل يصف الدنيا :
ميزت بين جمالها وفعالها |
|
فإذا الملاحة بالقباحة لا يفى |
والله لا اختارها لوانها |
|
كالبدر أو كالشمس أو كالمكتفى |