وكانت سيرته حسنة وأفعاله جميلة ، فأحبه الناس وفرحوا بخلافته ودعوا له ، وذكر عبد الغافر فى «تاريخ نيسابور» عن ابن أبى الدنيا : «وكان للمكتفى قبل أن يلى الخلافة معلم ، فلما أفضت إليه الخلافة المكتفى كتب إليه هذين البيتين :
إن حق التأديب حق الأبوة |
|
عند أهل الحجاز وأهل المروة |
وأحق الرجال أن يحفظوا الود |
|
ويرعوه أهل بيت النبوة |
ومن أعظم الحوادث فى أيامه :
ظهور القرامطة الملحدة بل الكفرة المفسدين أعداء الدين ، فأول من خرج منهم يحيى بن مرويه القرمطى ومحل خروجهم ودار ملكهم هجروه ، طائفة إباحية يستحلون دماء الحجاج والمسلمين ويدعون أن الإمام الحىّ بعد النبى صلىاللهعليهوسلم ـ محمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب ، وينسبون إليه بالباطل ، ويسندون إليه أقاويل باطلة لا أصل لها ويكفرون من عاداهم وهم الكفرة الفجرة قاتلهم الله تعالى.
ولما ظهر بالخروج يحيى المذكور جهز إليه المكتفى بالله جيوشا ، واستمر القتال بينه وبين عسكر الخليفة ، إلى أن قتل وسيق إلى جهنم وبئس المصير ، فقام بعده أخوه الحسين وأظهر شامة بوجهه الأسود وزعم أنها أية ، وظهر ابن عمه عيسى بن مهدويه ولقب ب «المدثر» ، وزعم أنه المراد بالسورة الشريفة القرآنية ، ولقب غلاما له مظلما المطوق بالنور يسمى أمير المؤمنين ، وزعم أنه المهدى ، ودعا لنفسه على المنابر ، وأفسد بالشام وعاث فيها فخوربوا ، وقتل الثلاثة وجزت رؤوسهم وطيف بها فى البلاد فى سنة ٢٩١ ه ، وخلف من بعدهم خلف ظهر منهم مفاسد ، وسيأتى ذكرها استطرادا ، وتعب المسلمون كثيرا فى أمرهم إلى أن خذلهم الله تعالى ، وستذكر قريبا إن شاء الله تعالى.
[فى ولاية المقتدر بالله] ولم يطل زمان المكتفى بالله ، فكانت مدة هلكه ست أعوام ونصف ، ولما مرض مرض الموت وتيقن بالفناء والفوت سأل عن أخيه أبى الفضل جعفر بن المعتضد فقيل له : إنه احتلم واتضح ذلك عنده فجعله ولى عهده ولقب «المقتدر بالله» ، وبويع له على أن يكون الخليفة من بعده.